كلّ شيء يفعله الهنديّ يكون على شكل دائرة

16 يونيو 2021
رسم لـ وانبلي وافاها، من قبائل أوغلالا، يصوّر فيه معركةً ضد الجيش الأميركي (Getty)
+ الخط -

يضم كتاب "حكمة سكّان أميركا الأصليّين"، الذي أعدّه المصور الفوتوغرافي الأميركي إدوارد  كورتِس (1868 ــ 1952)، صور زعماء قبائل سكان أميركا الأصليين و"أطبّائها" الروحيين، مرفقةً بنصوص ثقافية تعبّر عن سلوك ومعتقدات هؤلاء السكّان الذين عاشوا الحياة القبلية التقليدية في الفترة الممتدّة بين انتهاء الحرب الأهلية عام 1868 و1930، وهو العام الذي أنهى فيه المصور مجلّدات كتابه. وتُظهر نصوص ثقافة هذه القبائل كمْ أن حكمتها كانت حكمةَ شعوب متحضّرة بالفعل، بعيدة كلّ البعد عن الصور المشوّهة التي بثّتها ثقافة المستعمرين الأوروبيين، سواء تلك التي تمثّلت في القصص والروايات أو في أفلام هوليوود.

هذه القصص والأفلام جعلت من تلك القبائل المسالمة، والمتوفّرة على حظ لا بأس به من حظوظ أيّ شعب متحضر، قبائلَ "متوحشة" تعيش حياة بدائية لم تعرف فيها حتى نسج ثيابها وطهي طعامها وبناء بيوتها. وستُظهر الأيام، بعد انجلاء غبار التضليل والكذب الذي نشره المستعمرون على أوسع نطاق، أن المتوحّشين حقاً هم أجداد وآباء هؤلاء المستعمرين الذين لم يكتفوا بشنّ حروب إبادة للاستيلاء على أراضي السكّان الأصليين، بل شوّهوا، وما زالوا حتى اليوم  يشوّهون صورة الضحايا، ونشروا هذا التشويه في جهات العالم الأربع.

حتى أنه بات من النادر أن نجد لدى شعوب القارّات الأخرى، آسيا وأفريقيا وأستراليا، وحتى أوروبا، تصوّراً واقعياً لمصائر سكّان أميركا الأصليين، ولِما ألمّ بهم من ظلم تاريخي مضاف إلى مظالم قتل الملايين منهم وتصفية موروثهم الثقافي، ومحو ذكرهم بوصفهم بشراً، وتقديمهم إلى العالم كقبائل همجية لا تعرف سوى الهجوم، مُوَلْوِلةً صارخة لقتل "أطفال" البيض المهاجرين المساكين! قبائل أفرادها عراةٌ صيفاً وشتاءً، لم يترفّق الإله الطيّب فيضع في أدمغتهم شرارة الخلق والوعي والإبداع التي "خصّ" بها أدمغة "البيض" الأوروبيين دون الخلق جميعاً، تماماً كما تقول الأساطير التي بثّتها ثقافة هؤلاء "البيض" عن الأفارقة والآسيويين وبقيّة سكّان الكرة الأرضية أيضاً، وحفلت بها كتبهم، بدءاً من روايات طرزان لإدغار رايس وصولاً إلى أطروحات هنتنغتن (سوبرمانُ "صدام الحضارات") وفوكوياما (باتمانُ "نهاية التاريخ").


هنا مقتطفاتٌ من الكتاب.


1
"... أنت لاحظتَ أن كلّ شيء يفعله الهنديّ يكون على شكل دائرة. هذا لأن قوّة العالم تعمل على شكل دوائر دائماً، وكلّ شيء يحاول أن يكون دائرياً: السماء دائرية، وأنا سمعت أن الأرض دائرية مثل كرة، وكذلك النجوم كلُّها. والرياح، في ذروة قوّتها، تدور. الطيور تنسج أعشاشها على شكل دوائر لأنها تُدين بما ندين به... حتى المواسم تُشكّل دائرة عظمى وهي تتغيّر، وتعود مرّة أخرى إلى حيث كانت دائماً. حياة الإنسان دائرية، من طفولة إلى طفولة. وهكذا هي الحياة في كلّ شيءٍ أينما تتحرّك القوة".  

الظبي الأسود، زعيم شعب السيوكس الروحي (1950 ــ 1863)


2
الهندي الأحمر مجبولٌ من تراب، سواء كان تراب الغابات أو السهول أو الهضاب أو القرى. إنه متناغم مع المشهد الأرضي لأن اليد التي صاغت القارّة هي التي صاغت الإنسان ليكون متناغماً مع محيطه. ونما الإنسان ذات يوم نموّاً طبيعياً مثل أزهار عباد الشمس البرّية. إنه ينتمي إلى بيئته تماماً مثلما ينتمي إليها الثور البرّي.


3
تعلّمنا الإيمانَ بأن الروح الأعظم يرى ويسمع كل شيء، وأنه لا ينسى مطلقاً؛ وفي الآخرة سيهبُ لكل إنسان بيت روح بناءً على ما يستحقه.. أنا أؤمن بهذا، وكل أفراد شعبي يؤمنون بالأمر نفسه. 

جوزيف، زعيم قبيلة نيز بيرسي (1830 ــ 1904)


4
كل الأشياء في العالم زوجان. نحن في أذهاننا زوجان؛ خيرٌ وشر. بعيوننا نرى شيئين: شيئاً جميلاً وشيئاً قبيحاً... لدينا يدُنا اليمنى التي تضرب، والمخلوقة للشرّ، واليد اليسرى الممتلئة بالرحمة، القريبة من القلب. قد تقود قدمٌ إلى طريق شرّ، وقد تقودنا قدم أخرى إلى طريق خير. هكذا كل الأشياء زوجان، اثنان.

الزعيم عُقاب (أواخر القرن التاسع عشر)


5
آمل أن الأب السماوي العظيم، الذي سيُطلّ علينا من العُلى، سيمنح بركاته لكلّ القبائل، لعلّنا نسافر بسلام، ونعيش بسلام طيلة أيّامنا؛ وأنه سيطل من العُلى على أطفالنا، ويرفعنا إلى الأعلى بعيدأً عن هذه الأرض، وأنّ أبانا السماوي سينظر إلى أطفالنا وكأنهم أطفاله، ويكون أطفالُ كل القبائل أطفالَه، ولعلّنا نعيش ونحن نتصافح اليوم فوق هذه السهل الواسع، بسلام إلى الأبد. 

الغيمة الحمراء، زعيم قبيلة أوجلالا سيوكس (أواخر القرن التاسع عشر) 


6
في بداية كلّ الأشياء، كانت الحكمة والمعرفة لدى الحيوانات، لأن تيراوا، الواحد في العُلى، لم يتكلّم مع الإنسان مباشرةً. أرسل حيوانات معيّنة لتقول للناس إنه يُظهر نفسَه بوساطة الحيوانات، وعلى الإنسان أن يتعلّم منها، ومن النجوم والشمس والقمر... كل الأشياء تُخبر عن تيراوا.
لكلّ شيء على الأرض غرضٌ، لكلّ مرض عُشبة تشفيه، ولكلّ شخص رسالة. هذه هي نظرية الوجود الهندية.

الزعيم عُقاب (أواخر القرن التاسع عشر)


7
الروح العظمى في كلّ الأشياء؛ هو في الهواء الذي نتنفسه. الروح العظمى أبونا، ولكنّ الأرض أمّنا. تُغذّينا، وما نضعه في التراب تعيده إلينا...

الرعد الكبير (أواخر القرن التاسع عشر) 


8
حياة أيّ هندي تشبه أجنحة الريح. ولهذا ترى أن الصقر يعرف كيف يحصل على فريسته. الهندي مِثلُ هذا. الصقر ينقضّ منحدراً من الأعالي على فريسته، وكذلك يفعل الهندي. ويشبه الهندي في توقه حيواناً. القيوط، على سبيل المثال، داهية، وكذلك الهندي، والعُقاب شرحه. لهذا الهنديّ رائشٌ دائماً؛ إنه نسيب أجنحة الريح.

الوعل الأسود، طبيب من قبيلة السيوكس (1863 ــ 1950)


9
أنا فقيرٌ وعارٍ، ولكنني زعيم الأمة. لا نريد الثروة، ولكننا نريد تربية أطفالنا بطريقة سليمة. لا تأتي لنا الثروة بالخير. لا يُمكننا أن نأخذها معنا إلى العالم الآخر. لا نريد الثروة؛ نريد الحب والسلام. 

الغيمة الحمراء، زعيم السيوكس (أواخر القرن التاسع عشر)


10
كلّ الطيور لا تتشابه، حتى تلك التي تنتمي إلى النوع نفسه. والأمر نفسه بالنسبة إلى الحيوانات والكائنات الإنسانية. والسبب في أن واكانتانكا لايجعل طيرَيْن، أو حيوانين، أو كائنين إنسانيّين، متشابهين شبهاً تاماً، هو أن كل واحد منهما وضعه واكانتاكا هنا ليكون فرداً مستقلّاً، وليعتمد على ذاته.

الصيّاد، أحد أفراد قبيلة من جنوبي غرب داكوتا (أواخر القرن التاسع عشر)


11
من نهج الهندي تجاه الحياة تنبثق حرّية عظمى. إن لديه حبّاً جارفاً للطبيعة، واحتراماً للحياة وإيماناً لا ينضب بوجود قوّة عظمى، وبمبادئ الحقيقة، والأمانة والكرم والمساواة والأخوّة بوصفها مُرشِدُه للعلاقات في هذا العالم.

الدب الواقف، زعيم قبيلة السيوكس (1868 ــ 1939)


12
لا كنائس لدينا، لا مؤسّسات دينية، ولا يومَ سبت، ولا أيّام عطلات. ومع ذلك فنحن نتعبّد. أحياناً تجتمع القبيلة كلّها وتغنّي وتصلّي، وأحياناً يكون العدد أصغر، ربّما يجتمع اثنان أو ثلاثة. وفي الأغاني كلماتٌ قليلة، ولكنّها حُرّةٌ، بلا قوالب، وفي مناسبات معيّنة قد يضع المغنّي كلماتٍ من عنده بدلاً من صوت النغمة المعتادة. أحياناً نُصلّي بصمت، وأحياناً يغنّي كلّ واحد منّا بصوت عالٍ، وأحياناً يصلّي بالنيابة عنّا جميعاً شخصٌ كبير السن. وفي أحيان أخرى قد ينهض شخصٌ ويُحدّث أحدنا عن واجباته تجاه الآخر. وصلواتنا قصيرة دائماً.
 

13
منذ طفولتي علّمتني أمّي أساطير شعبنا، أساطير الشمس والسماء والقمر والنجوم والغيوم والعواصف، وعلّمتني أن أركع وأصلّي أيضاً للروح العظمى كي يهبنا القوّة والصحة والحكمة والحماية. لم ندعُ على أيّ شخص قط، ولكنْ إذا كان علينا أن نفعل هذا ضدّ أيّ شخص، فنحن ننتقم منه بأنفسنا. لقد تعلّمنا أن مشاجرات البشر لا تعني الآلهة بشيء.

جيرونيمو، زعيم الآباتشي (1829 ــ 1909)


14
صوت الروح العظمى يُسمع في تغريد الطيور، وتموّج المياهِ العظيمةِ، وعذوبةِ شذى الأزهار. فإن كانت هذه وثنيةً، فأنا وثنيٌّ في الوقت الراهن على الأقل.

جيرترود بونين، من قبيلة السيوكس في داكوتا (1876 ــ 1838)

المساهمون