كاتب من العالم: مع مراد غولسوي

12 سبتمبر 2023
مراد غولسوي (تصوير: زينب أويسال)
+ الخط -

■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟

هناك مشهدٌ أدبيٌّ وفنيٌّ متنوّع للغاية في تركيا، ويزداد ثراءً منذ التسعينيات. ومع ذلك، في السنوات القليلة الماضية، أدّى كل من المسار السيئ للاقتصاد وجهود السياسات الشعبوية اليمينية لإعاقة هذا الثراء.

 
■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟

أنا أكتب بأساليب مختلفة. على سبيل المثال، يمكن للقُرَّاء الذين يحبون كُتَّاباً مثل كافكا وبورخيس وإدغار آلان بو أن يبدأوا بقصصي. مثلاً، مجموعة "اسرقوا هذا الكتاب" أو "على حافة لحظة غير مؤكدة". في قصصي، عادةً ما أحبُّ العبث بالقصص الغريبة والنهايات المفاجئة ومآزق الروح البشرية. كما أنّني أجرّب أساليب مختلفة في رواياتي. بالنسبة للذين يحبّون الروايات التاريخية، يمكن أن تكون روايتي "في مدينة الظلال والأحلام" بداية جيّدة لهم. ولمُحبِّي الرسم، يمكنني أن أوصي برواية "تاريخ العشق السري للرسام واصف" أو "أسبوع الرحمة في إسطنبول". أمّا الذين يستمتعون بروايات موراكامي أو أفلام ديفيد لينش، فقد يحبّون روايتي "والنار تلتهمنا". أخيراً، يمكن للذين يريدون قراءة المزيد من قصصي التجريبية، أن يطّلعوا على مجموعة "هل يراني الرَّبُّ؟".
 

■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟

أفكّر في كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن. حتّى أنني أستخدم برنامج مثل "ChatGPT"، وأطلب منه مثلاً أن يكون كافكا ويكتبَ قصةً تدور أحداثها في إسطنبول الستينيات، ويكتب بالفعل. أو أطلبُ منه أن يكتبَ قصةً وكأنني من كتبها، فيكتب. نعم، ليست عميقة بعد. ولكن إذا تقدّمت التكنولوجيا بهذا المعدل، فسنقوم في المستقبل القريب بإحياء كُتَّاب ميتين أو اختراع كتّابٍ مُهجَّنين (يكتبون مزيجاً من موراكامي وفرجينيا وولف!). والأغرب من ذلك أننا سنشهد ولادة الأدب الشخصي. أتخيّل شكسبير يكتب سونيتة من أجلي فقط. يا لها من أعجوبة! 

يحتاج الكاتب إلى شيئين: كسب لقمة العيش، وحرية التعبير

■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟ 

يعتمد ذلك على ما تعنيه بالثقافة. على سبيل المثال، لا أؤمن بأي تصنيف على أساس الأمّة. أعتقد أنَّ الصور النمطية عن الشعوب مثل الأتراك هكذا، والإنكليز هكذا، مضلّلة وغالباً ما تكون أيديولوجية. يتغيّر سلوك الناس حسب موقعهم ووضعهم وظروفهم. يمكن للأب الخيّر أن يصبح وحشاً في زحام المرور، أمّا الأم الرائعة فمن الممكن أن تعمل كرأسمالية تمتص الدماء في شركتها. الشخص نفسه يتصرّف في المدينة بشكل، وفي الريف بشكلٍ آخر. لهذا السبب لا يمكنني التفريق بين الميزات التي أحبها أو لا أحبها.
 

■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

درستُ الهندسة وعلم النفس. أودُّ دراسة العلوم الأساسية أولاً. تعلُّم المزيد عن الفيزياء والرياضيات والعلوم الحاسوبية. أستمر في الرسم، لكنّي أودّ أن يكون الأدب موجوداً في كل مرحلة.
 

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

يقول العلماء إننا نتّجه نحو الانقراض العالمي. أعتقد أن هذا يجب أن يتوقف أوّلاً. بالإضافة إلى ذلك، رأينا أنَّ الخطاب اليميني الشعبوي يرتفع مؤخراً في أجزاء كثيرة من العالم. إن زيادة الذكورية والقومية وكراهية الأجانب وعدم التسامح مع الاختلافات تزيد الضغوط على حرية الفكر والتعبير. آمل أن يتغيّر هذا الاتجاه.

أفكّر في كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن

■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

لا أظن أنني أريد ذلك. لا أريد أن أصاب بخيبة أمل.
 

■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟

يحتاج الكاتب إلى شيئين: أن يكون قادراً على كسب لقمة العيش من خلال الكتابة، أي أن يتمتع بوضع اقتصادي معقول، وحرية التعبير. اليوم، أعتقد أن كلا الحريتين مقيدة. هذا هو السبب في أنّ الكتّاب المبدعين يواجهون صعوبة في ذلك. ربما يمكنك العمل في وظيفة أخرى وكسب لقمة العيش، وتحقيق وضع اقتصادي جيد نسبياً، لكنَّ حرية التعبير هي الشيء الذي نحتاجه مثل الهواء.
 

■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟

القضية مفهوم قوي للغاية. أود استخدام كلمة المسألة بدلاً من القضية. في كل مرّة تدفعني مسألة ما إلى الكتابة. أحياناً أريد أن أصف حياة رسام، وأحياناً فانتازيا رحلة ليلية. ومهما أكتب لدي رغبة في بناء عالم. أعتقد أن هذه هي المسألة الحقيقية. 
 

■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟

الترجمة مهمة للغاية. لقد قرأتُ معظم المؤلفات المكتوبة خارج التركية مترجمةً. لذلك، فقد قدمت الترجمة مساهمة كبيرة في عالمي الثقافي. يوجد مترجمون ناجحون في تركيا، يترجمون مباشرة من اللغة الأصلية للعمل. يقولون إن كتبي تُرجمت بشكل جيد، لكن ليس لدي الفرصة للتحقق من العديد من اللغات المترجمة إليها.
 

■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟

اللغة هي أجنحة الكاتب وسجنه أيضاً. يمكنني إنشاء عوالم خيالية باللغة التي ولدتُ بها، ويمكنني خلق أشخاص غير موجودين... ومن ناحية أخرى، لا يمكنني الخروج عن لغتي. 


■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟

لدينا كتاب جيّدون معروفون في تركيا، ولكن ليسوا مشهورين في العالم: خالد ضياء، يوسف أتيلجان، أوغوز أتاي، ليلى أربيل، وعدلات آغا أغلو. 

اللغة هي أجنحة الكاتب وسجنه أيضاً
 

■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟ 

لا أستطيع أن أتخيّل مسألة الألف سنة. أعتقد أنني أودّ أن يقولوا إنَّ مثل هذا الشخص قد عاش هنا في تلك الفترة، وكان متحمّساً وكتبَ من دون أن يفقد الأمل في الإنسانية.  


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟

أنا سعيد للغاية لأنّ كتاباتي دخلت الثقافة العربية، من خلال الترجمة. أريد من القرّاء العرب أن يكتبوا لي عن مشاعرهم تجاه ما أكتب. 


بطاقة

Murat Gülsoy قاص وروائي تركي، من مواليد عام 1976 في مدينة إسطنبول. تخرّج من كلية الهندسة في "جامعة بوغازيتشي" حيث يعمل حالياً كأستاذ. بدأ حياته الأدبية بكتابة القصة القصيرة، ونشر منذ بداية التسعينيات في العديد من المجلات الأدبية التركية. صدر له أكثر من عشرين كتاباً، من بينها مجموعته القصصية الأولى: "ومع ذلك، الجميع مشغولٌ بنفسه" (1999)، و"رسائل الألف ليلة" (2003). في عام 2001 حصل على جائزة "سعيد فائق للقصة القصيرة" عن مجموعته "اسرقوا هذا الكتاب". صدرت له العديد من الروايات، وحازت روايته الأولى بعنوان "أنا شرير هذا الفيلم" على جائزة "يونس نادي للرواية" عام 2004، ورواية "الأب والابن والرواية المقدسة" على جائزة "نوتردام دي سيون الأدبية" عام 2013. كما حازت روايته "مدينة الظلال والأحلام" على جائزة "سادات سماوي" عام 2014. 


وقفات
التحديثات الحية

 

المساهمون