غداً أنتِ كاملةٌ من البحر للنهر

15 فبراير 2024
شابة فلسطينية تتفقّد منزلها بعد قصف على دير البلح، 12 شباط/ فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -

دمعتان على الخدِّ
كيف يُقالُ الأسى والشجن؟
إيهِ يا وطني، أيّها الأعزُّ
نشهدُ الآنَ أنقاضَهُ
في سفالة هذا الزمن.


■ ■ ■


أنتِ اتّساقُ النثْرْ
أنت الذكاءُ، سرْديّاً، وأنتِ
كلّما رنوتُ، لحْمُ الشعْرْ
أنت الندى في الفجْرْ
والصرخةُ المعلّقة
على حوافّ الهُوّة
هل صدفةٌ بأنّني ولدتُ بين
أنبيائكْ
وكان منهم الذي يجوع
هل صدفة بأنّني ورثت
عن يسوع
قارّةَ الدموع
هل صدفة أكلتُ خيرَك العميم
لا شبيه لهْ
فكنت لي في الحالتين:
جنّةً ومُعضلة
يا ربّ هَبها القّوة
يا ربّ لا تجعل بنيها الطيّبين
مصفوفةً من الجثث
يا ربّ.. إلّا
لا أريد منك أن تؤول العبث!
لقد رأيت هول ما يحياه أهلي
يا ربّ قل لهذا الليلِ
غربيّاً، يحوم فوق لفّة الرضيع
يقوم بالقصف المريع
يحوم فوق خيمةٍ بدون خبزْ
يدوم فوق من يشتري ومن يبيع
قل لهذا الليلِ.. ينجلي.


■ ■ ■


مدادي دمٌ
لا أريدُ البلاغةَ، إنّ
الرصاصَ لنا سَندٌ
وفمُ
فانبضي أيّتها الأنجمُ
أيّها الشعرُ خفّف مجازك
إنّ مجازرنا، فوق طاقتِنا
والصدى مرغمُ
أن يعود إلينا، لينسفَ
كل احتمال
بالنجاةِ، على أيّ بابٍ
على أيّ ريحٍ
سننجو، وهذا الفضاءُ
سجالُ قتال
لا نريد الخيال
تعبنا من الواقع المرِّ
أولى بنا أن نراهُ
نحاول فكَّ طلاسمهِ، بالأحابيل
نعلَمُ
لا نريد الفصاحةَ والعصرُ
مذبحةٌ تلو مذبحةٍ
هل لغير دمانا، اللسانُ الفصيحُ
وغير المدى، يفهمُ.
يا فلسطين، يا تربةَ المعجزات
فداك الذي قد نقدّمُ
الدار والولدَ الحلوَ
واللقمةَ الحافَ
وسطَ الجفافِ
وتحتَ خيامٍ كثلّاجةٍ
يا فلسطين، ناضرةً مثل
وجه الرضيعِ
وطيّبةً مثل أمّ تودّع أولادها
وتقول فدىً للمقاومة الباسلة
يا فلسطين حافلةً بالشباب
يصدّون أعداءهم
من مسافةِ صفرٍ
وفي غدها بالأهازيج والنصرِ
قائمةٌ، حافلة
يا فلسطين، تمحو قذاها
وتجعلنا من حنانٍ
شهودَ انتصار عزيزٍ
تحقّقَ بالبذل في كلّ زاويةٍ
واستقامَ زغاريدَ
بحّةَ صوتٍ، فيا
أُمَّنا، أيها الناسُ
في طُرقات النزوحِ
أيا أيها الكلُّ
يا رعشة القلبِ
إئْتُوا إلينا
نشارككم حلمَنا بالتحرّر
نقسّم ما بيننا
كل ماءٍ وكل رغيفٍ
لكم ما لنا، ولنا
ما خبرتم
زمنٌ باذخٌ والمدى سُلَّمُ
زمنٌ شدَّ ما طال، لكنّه اليومَ
جاءَ بقنّاصةٍ تهجمُ
زمنٌ حيث لا قهرَ في الريحِ
لا مجرمٌ يحكمُ
ناظراً نحونا، بازدراءٍ، 
وينهرُنا.. كم طالَ
فيه التَّوَهُّمُ!
والآن ها غزّةُ الروحِ
تطردهُ، فيفرّ
وقد
طاحَ
زلّت به قَدَمُ
يا فلسطين يا كم.. بريئةً
من حقاراتهم
بعدَ قرنٍ
وما زعموا
أوّل الغيث قطرة
وغداً 
أنت كاملةٌ
من البحر للنهر، حرّة
أنت خالدة كخلود المجرّة
يا البلاد التي
في قلوب بنيها تفوق جميع
البلاد
جنّةُ الله في الأرض
لكنّها
دون دمٍ، لا تعود ولا تُستعاد


■ ■ ■


رائحةُ الأرضِ
ولا أنبل من رائحة الأرضْ
كلّ كتابٍ يخلو منها
ينقصه الجوهرُ، ينقصه النبض
كن معها، فمَها
واكتب عنها
كي لا تشقى
وينالك بُغض!


■ ■ ■


هذا العالَمُ
هذا المُقْبِض
موتاهُ عبرَ زقاقٍ غامض
لا يروون المُرَّ ولا الحامض
لا يقتربون من القصّة
هذا العالم: غصّة.
شاقٌّ أن نكتب عنه، ولا نمرض
عيناه الضائعتان تروغان
هنا وهناك
أفواه بنيّه الملأى بغبار الأفلاك
كيف سنتحدّث عنه، 
وكيف سنكتبُ أو نعرِض؟


■ ■ ■


الأبيضُ الغربيُّ يا أخي
شديدُ الاعوجاج
يُريدنا موتى
يريدنا لغير هدفٍ، مفرّقينَ
شتّى
يريدنا نحيا وراء السياج
كما وُلدنا
أسرى حليفِهِ
مُحصّناً
يقوم داخل الأبراج.


■ ■ ■


لم يبق منكِ يا مرابعَ الأحرار
غير الركام والدمار
"أريد ساقي"، قالت الطفلة
أمّا أنا..
أريد من زلزلها بقنبلة
أريد ثأراً من دم الطيّار.


■ ■ ■


غزّة تُدمى تحت القصف
العرب العُجّزُ ليس بيدهم
غير العطف.
جنرالاتُ جيوشٍ، ملأتهم كلُّ مذلّة
لا حولَ إذن، لا صولة
وعدوٌ يضّاحك من خلْف.


■ ■ ■


بلادي تموت وناسي
يموتون قبل الأوان
أيُّ أرضٍ هيَ
أيُّ صوتٍ مهان
أيُّ "ناتو" طغى
قَاتَلَ الأبرياء
وهدَّ المساكن فوق الرؤوس
أي مجزرة يا سواد الحدوس
أي مسخرة، عبثٍ، يزعمُ "المتحضّر"
أبيضَ مثل سموم الجحيم
أسود القلب.. كُحلة
إنها حسبُ هذه المقتلة
إنه حسبُ صوتٌ ينوس!


■ ■ ■


لن تكسروا غزّة
لن تكسروا القدس
أوراحنا ملأى   
بالصبر والعزِّة
وفجرنا، عمّا قريبٍ
يا ذئاب الأرض، 
قد ترونه شمساً.


■ ■ ■


ثِقَلٌ على كتفي
يا ليل فلتخفِ
شتّى شجون الغيب
يا أرض فلتقفي
معنا، ولو ببقيةٍ من حدَب
ثقل على كتفي
والعيش عبءُ الأب
هل قاصِفٌ يكفي
كيما نعيش الرعب
ونقول ها إنّا
نسمو بما عِشنا
يا أرضنا، عن ظهر قلب؟


■ ■ ■


خوفي: نفاد الماء والغذاء
خوفي: نفاد الأوكسجين
لكنّني أقاوم
مهما ادلهمّ ليلُهم
وأوغلوا لحين
في وَهَم الربح والمغانم.


■ ■ ■


لا بالسنين، من اليوم، تُحصى
حياتُهمُ
إنّما.. برهةً تلوَ برهة
يندهون على الغوثِ
من قحف الرأسِ، هل..
في الصدى، مَن يُجيبون ندهة؟


■ ■ ■


يا ربِّ أعطِنا لتراً من المياه
كفافَ يومِنا وغدِنا من قمح
يا ربّ: لا تجعلهم يوسّعون الجرح
رحماك، إنّهم يُصفّرون نعمة الحياة.


■ ■ ■


أعطنا اليدَ الباردة
كي نحاول هذي الكتابة
عالمٌ: غابةٌ حاقدة
وعليها من الدم، أعلى سحابة.


■ ■ ■


بعد أن نعوي
سنكتب الألم
غمغمةً
وطولَ صفنةٍ
مزيجَ صمتٍ وعَدَم
هذا قصارى الجهدِ
في الأهوال، لا..
كفاك ذنباً أيها القلم!


■ ■ ■


ربّاه أعِنّا
ولتعبر عنّا هذي الكاس
غزّة ما عادت غزّة
والناس هنالك غير الناس

لكنّ مقاومةً في البال
مقاومة الأبطال
تعزّينا
وتشدّ ثباتَ أيادينا
كي نقف وراء الثورةِ
كالمتراس
ربّاه أعنهم وأعنّا
ولتعبر عنّا
في ليل الخذلان الكوني
جميعُ ضروب الوسواس.


■ ■ ■


كلّما كان قتلٌ
بكيتَ، ولكنّها الآن حرب إبادة
لا دموع لتسعفَ
لا، فاستقم
واطلب النصر، مهما تمادت حِمَم
فإنّ عزَّ، فاطلب شهادة.


■ ■ ■


أربعاً من الليالي
أسيرُ في الصقيع، أربعاً، واليوم
يا تغيُّرَ الأحوالِ
وقعتُ في فوّهةٍ وسالَ الدم
ضعفتُ، صارت قُدرتي: مُحالي!


■ ■ ■


رأيتَ، لم تُصدّق
ونمتَ في عرى الكابوس
صحوتَ، والمحيطُ يغرقْ
هربتَ
كم وددت لو يعودُ
ما مضى، كمثل شمعةٍ
تنوس!


■ ■ ■


الشرُّ في الشمال
صَمَتَّ عنهُ، 
أو رفعتَ رايةً بيضاء في خِضمّهِ، 
تغرق
نم!
لا تجعل الكَلِم
طريقةً إلى الخبال!
حتى إذا غفوتَ، قم
تذكّر الماضي
تذكّر الحريقَ والدّمَ
الشقيقَ
من قَضَوا كزهرةٍ
على الطريق، واتبعِ 
الماشين من خُلاصة الرجال!


■ ■ ■


كانت تحتاجُ لكرسيٍّ متحرّك
لم تنزح
كان الأولاد
هربوا بالأحفاد
من قلب جباليا لمخيّمِ
خانيونس
جاء برابرة العصر الحاقدين
دهموا البيت، وصفّوا من فيهِ
برصاص الإجرام
كانت بقيت مع جارين مُسنّين
طلبوهم أن يقفوا
قتلوهم بدمٍ بارد
والآنَ يدور الخبرُ
وها قلبي يرتجفُ:
أختك، نالت مرتبة شهيدة
من أين النار
لتصفوَ في وحشة هذا العمر
قصيدة؟


■ ■ ■


ولدت تحت القصف
ومتَّ تحت القصف
يا أيها الإله فوقَ
غيمةٍ من الغبار
هلّا رأيت الخوف
جوفَ أعينِ الصغار والكبار
هلّا مسحت مَن يقتلنا
من قدمٍ وقحفِ
هل نحن فوق طوفِ
دمنا، وبعد غدٍ قد يرحل في صحراء
يا رب كيف وطناً لنا، يُمسي
بلحظةٍ: سيناء؟
لا، نحن من نهرٍ لبحر
نريد بشرى النصر
ولن يكون هذا، في المنال
إلّا بُعيد قرن
على الأقلّ، نصفُ قرنٍ، يا مُيسّر الأحوال
عليه، هبنا أن نجابه الأهوال
وأن نعدّ ما استطاعَ كاظمٌ من قوّة
كي لا نظلّ مثلما ولدنا
على حوافّ تلك الهُوّة.


■ ■ ■


أنا هو أنتْ
تماماً، لا لمَاماً

أنا هو أنت
أمرضُ مثلما تمرض
وأبكي من رُعاش النجمة القصوى
كما تفعل

أنا هو أنت، متّحدانِ
قد نبكيْ
أحايينَ، وقد نأمُل

أنا هو أنتْ
حيرانانِ قدّامَ الوجودِ
ولغزِهِ الأوّل
نخشى الموتَ، نشملُهُ بوصفٍ حالمٍ
ونقول: ليس هوَ.. سوى أبد من النومِ
أنا هو أنتَ
أحياناً، بلا رأيٍ
وأحياناً، لنا الأعضاءُ
دونَ فمِ

أنا هو أنتْ
نعشق وابلاً إن زَخّْ
فوقَ السقف
نحبُّ سماءنا تهمي
خفيفاً، في الشوارع، أو
بمحطة الباص،
خفيفاً، حيث كل الناس
مثل الأخت مثل الأخّْ

أنا هو أنت، ما الفرقُ
كلانا فان
كلانا يعشق الدنيا
ولو كانت لنا ألواننا الشتّى
كلانا لا ينام إذا
تلبّسه الأسى
والحيرة الصغرى بما ندعوه
"مستقبَل"

أنا هو أنت
لا تَكُ عنصرياً، عيب
إن حدّقت فيّ، وإن أشحت الوجه
نحو الجهة الأُخرى
رجاءً كن نهاريّاً، مشاعرُهُ
الكريمة تأنف أن يشيح الوجه
عن غرقى البحار ومَن نجا
منهم، لأجل يراكَ
كي يشقى!

رجاء لا تكن في العيش مثل
الكركدنّ، أو أدنى سلوكاً
يا أبا المال المكدّس، سرقةً
من أدمع الفقراء، غرباً ها هنا
وجنوبَ أرضٍ، ها هناك، وكل يقينِنا، 
شرقاً
أنا هو أنت، أنت أنا
وهذا وحده يبقى!


■ ■ ■


ارفع يديك وقُل أغيثوا النائمين من القذائف،
إنهم وُدعاء هذي الأرض، يحيَون الحياة كطيّبينَ إلى الأبد.
ارفع يديك وقل عن الموتى وعن أحلامهم،
ما تستطيع ولا يُقال،
ودع سواك وشأنه، إن باع أو يشري الزبد.
قل إن ثمّة من حدودٍ في سياق المذبحة
قل إن ثمّة من نظامٍ، كيف ينسون البداهة
كيف لا يتعلّمون؟
ارفع يديك وقل حَرامٌ ما يصير
ولو ضُربتَ، فلا غبار
عليك، قد قلت الشهادة
لم تكن في هول هذا الصمت
أخرس
قل إنَّ كلَّ الدم دم
ودم الضحية وحده الأقدس
قل إن صوتك أجنحة
ضد الوضاعة والشراسة والشراهة
قل ما يجول بخاطر الجرحى، 
ولا مِن سقفِ مستشفى
ولا حتى المُسكِّن.
أيّ ريح هذه بل أيّ موت
ارفع يديك وقل لهم، يا أيها القتلة
يوماً سنمسحكم، فأنتم أُسُّ ما نشقى
وأنتم كلّ هذي المعضلة
سرطانُ في أجسادنا، ما من فرار
ارفع يديك وقل بعالي الصوت
الموت للسفلة
والعيش للودعاء من شعب الأسى والمقتلة.


■ ■ ■


كأنّها نهاية العالَم
لا الحرب بين أعزلٍ ونازي
كأن ما يُرى هلوسة الحالم
هل من نجاة أيها الموت الموازي؟
هل من نجاة أيها الرب المُجازي؟


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون