عليه أن يَعبَّ ما استطاعَ منها

20 يوليو 2023
عمل لـ فريتز شولدر، 1971
+ الخط -

تقليمُ الشهقة

لا تُؤخَذْ ولا تَنْذهِلْ، لا تُكلِّفْ عَينيكَ بما ليس في وُسْعِهما، لا تُكرِهْ كفّيكَ على الوقوفِ فوقَ رأسِكَ، قَلِّم الشَّهقةَ كي لا تجرحَ حُنجرَتكَ وتُؤذيكَ، فالفراشاتُ التي تقفُ الآنَ ساكنةً بِأجنحتِها المُلوّنةِ والمُبهجةِ على الورقةِ، تَربَّتْ فيكَ مُنذُ زمنٍ وتكاثرتْ داخِلكَ؛ لكنّها لِلتَّوِّ وَجَدَتْ الكُوَّةَ.


■ ■ ■


لا تكُن قفصاً

لا تُدْمِ الطائرَ الذي فيكَ بتخبُّطه بجُدرانك،
لا تدع ريشه يتناثر في جسدك؛
ولا تكن قفصاً أبداً
إيّاك.


■ ■ ■


من حجرٍ إلى حجر

ومن حَجَرٍ إلى حجرٍ 
أُنَقّلُ أعضائي مُتلَفّعاً بِنشيدٍ
أو مُشعِلاً أغنية.
من حجرٍ إلى حجرٍ
أَستنطِقُ هذي المسافةَ
وأَسألُها
عن العشب
أسألها عن غبارِ يديّ
أضربُ بِهما ترابَ الأرضِ
علّها تَبدأُ لي جهةً صالحةً؛
فمن حجرٍ إلى حجر...
لم يعدْ غيرُ هذي العيون
تُهوّمُ بِهذا الخُواء
وتُحدّقُ في هذهِ اللغة.


■ ■ ■


الوَقَّاد

كان يقولُ شِعراً
كان يتفرّعُ في مِعطفهِ ويمُدُّ ظِلّاً
كان ينظرُ إلى بياضِ شَعرهِ فَلا يتردّدُ ويثبُ فوقَهُ ويقولُ،
كانتْ له ذراعانِ من كلماتٍ وإيقاعٍ مشتعلٍ هو الذي عرفَ نهرَ اللغةِ الذي يجري فيهِ وقدْ تَركهُ يجْرفُهُ 
يَهدُرُ ويدفقُ فيه ويصرخُ أنّ الحياةَ عَذْبةٌ
وعليهِ أنْ يَعبَّ ما اِستطاعَ منها 
وأن يكونَ أخضرَ حتى في أصابعِهِ
التي كانتْ مثله تُضيءُ وتقولُ شِعراً.


■ ■ ■


على مهَلٍ نسوِّي الأرض

ونُسَوّي الأرضَ على مهلٍ لِتجري قُلوبُنا فيها، وتَشقُّ الأغنيةُ لها طريقاً، وتحفرُ لها الأنّةُ الخافِتةُ بريقاً، نُسوّي الأرضَ على مهلٍ لِيُعلِي الجِلدُ لَمعتَهُ، وتُبْدِي الأصابعُ أناقَتَها، ويكونَ لَنا أَلقُ مَن يُسوّي أرضَهُ على مهلٍ، يصعدُ إلى كلماتهِ ويضيئُها، كي تعرفَهُ وتَتحَسّسَ سحابتَهُ بِشُقوقِها وشَمِيمِها، وتُعيدَ إليهِ وَجهَهُ الأوّلَ، تتركَهُ نُحاساً في أرضٍ مُسَوّاةٍ، وتبذرَهُ في حنِينها لُغةً تَبسُقُ وتَبسقُ، لُغةً تَعلُو وتَعلُو؛ وعلى مَهلٍ تُسوّي الأرضَ.


■ ■ ■


من أين يأتي الغناء

عليكَ أنْ تكونَ مُنتبهاً مِن أين يأتي الغناءُ ومن أين يَهبُّ، عليكَ أن تلتقطَهُ من خُصلةِ الشَّعرِ المُتراقِصةِ، عليكَ أن تَتحيَّنهُ يتدفَّقُ من الجبينِ الذي يَغيبُ ويَشِفُّ وراءَ إيقاعِ الأغنيةِ، أو تتربَّص له في الأصابعِ وتقفَ وراءَ بريقِ الخواتمِ، أن تَتخفَّى في لَمعةِ الأساورِ، عليكَ أن تجعلَ مِن كفَّيكَ إناءً عميقاً لأنّ الغناءَ يَصُبُّ أحياناً من الابتسامِ، وعليكَ أيضاً أن تقعُدَ على جانبِ وردِ الفساتينِ وتَنتظرَ في النَّسيجِ، فَلعلَّ الغناءَ يُعلّقكَ في أحدِ خيوطِهِ ويطيرُ بِكَ، كلُّ ما عليكَ هو أن تكونَ ريشةً في ريحِ الغناءِ، أن تكونَ مُوَزَّعاً في القلائدِ وفي كُحلِ العيونِ في هَفْهفةِ سوادِ الشَّعرِ، أن تكونَ ظِلّاً في وَجْنةٍ أو جِيدٍ أو شَفةٍ لكي يأمن إليك الغناءُ يُقرِّبكَ إليهِ ويَسْتأْمِنكَ على روحِهِ، هو أن تشِفَّ وأن تَسيلَ أن تكونَ صدىً وأنْ تكونَ أنتَ أُغْنيةً.


*شاعر من السعودية

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون