على الرغم من اعتباره واحداً من أبرز الفلاسفة في تاريخ الفكر الغربي، لا يزال جزء كبير من أفكار أرتور شوبنهاور غامضاً، لا سيّما أنه لم يحظِ باهتمام كبيرٍ في حياته، بل ذاع صيته وجاءت شهرته جراء الأثر الكبير الذي تركه بعد رحيله على مختلف المجالات، مثل الفلسفة والأدب والعلوم.
ويُعتبر كتاب الفيلسوف الألماني (1788-1860) "العالم كإرادة وتمثيل"، واحداً من أهم الكتب الأساسية في تاريخ الفلسفة. نُشر الكتاب في ثلاث طبعات: (1819، 1844، 1859)، وعرضَ فيه شوبنهاور نظريته الأساسية حول الإرادة كجوهرٍ في حد ذاته. مع ذلك جاء النجاح متأخراً، وتحديداً في عام 1851، وكان ذلك بعد ظهور كتابه "Parerga y Paralipómena"، والذي ضمّ مجموعة من النصوص التي تتناول موضوعات فلسفية مختلفة.
"رسائل شوبنهاور" هو عنوان الكتاب الصادر عن دار نشر "آكانتيلادو" الإسبانية، بترجمة لويس فيرناندو مورينو، والذي لا يتناول أفكار الفيلسوف وحدها، بل يُظهر أيضاً شوبنهاور الطفل، قبل أن يصبح أباً للتشاؤم الفلسفي في العالم.
ويتتبع الكتاب مراحل حياة شوبنهاور، من الطفولة إلى مرحلة الشباب، حيث راح يبحث عن مهنته الحقيقية واضطر لمواجهة نوايا ورغبات والده بمخاوف مختلفة ومتعددة للغاية، وصولاً إلى مرحلة البلوغ والمفكر الذي لم يحصل على الشهرة التي كان يعتقد أنه يستحقها. وأخيراً الرجل العجوز الذي انتهى به الأمر إلى تحقيق شهرة عالمية في المرحلة الأخيرة من حياته.
"لم تكن سيرة بطل الكتاب غنية جداً بالمغامرات. كانت مكرسةً بشكلٍ أساسيّ للمعرفة والإبداع الفلسفي، ولكن مع ذلك، كانت حياةً مليئة بالبهجة والأحزان، واللقاءات والخلافات، الشوق والأوهام، والترددات وخيبات الأمل والتقلبات". يعلّق مترجم الكتاب في مقدمته.
وبعد الأجزاء الأولى من الكتاب، التي تكشف خبايا وأسرار مراحل حياة فيلسوف التشاؤم، ينشر الكتاب مجموعة كبيرة من رسائل شوبنهاور التي تبادلها مع شخصيات مختلفة في ذلك الوقت.
ونتعرف في خبايا هذه الرسائل على العلاقة الخاصة بين الفيلسوف ووالدته، حيث تبادلا رسائل كثيرة، لا سيما في الفترة التي كان فيها شوبنهاور في فرنسا. وقدّمت له أمه مجموعة من النصائح التي لا تقدر بثمن. كذلك هناك مجموعة من الرسائل التي تبادلها مع أصدقائه، وشخصيات أخرى ثقافية وفكرية، إضافة إلى رسائل كثيرة تبادلها مع طلابه.
وقد تكون أهم تلك المراسلات هي الرسالة الأخيرة التي وجهها شوبنهاور في أيلول/ سبتمبر من عام 1860، قبل رحيله، إلى طالبين يودّعهما بصيغة لا يمكن نسيانها قائلاً فيها: "فلترافقكما روح الفلسفة مدى الحياة".