قدّم الناقد والباحث اللبناني وجيه فانوس (1948 – 2022)، الذي رحل اليوم الأربعاء في بيروت، قراءاته المتعدّدة في أكثر من عشرين كتاباً، حول علاقة النقد بالسياقات الفكرية التي يولد ويتطوّر فيها، واستعادة النقد العربي القديم بوصفه تعبيراً عن خلاصة الحضارة العربية الإسلامية، والتي اهتمّ بها كأساس لأي مشروع نهضوي عربي.
وُلد الراحل في حي برج أبي حيدر بالعاصمة اللبنانية، وتلقى دراساته الأولى في مدارس "جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية"، وأكمل تعليمه في "الجامعة اللبنانية" متخصّصاً في اللغة العربية وآدابها وعلوم التربية، كما حاز درجة الماجستير في الأدب من الجامعة نفسها، وحصل على شهادة في النقد الأدبي المقارن من "كليَّة سانت أنتوني" في "جامعة أكسفورد" سنة 1980.
بعد عودته إلى لبنان عمل أستاذاً محاضراً في "الجامعة اللبنانية" حتى تقاعده. وكما كان أحد أبرز الناشطين في الاتحادات الطلابية أثناء دراسته، لم يتقطع فانوس عن الحياة العامة حيث انخرط في عدد من الهيئات، وأدار "حلقة الحوار الثقافي"، و"اتحاد الكتّاب اللبنانيين"، و"المركز الثقافي الإسلامي"، وغيرها.
تناول في عدد من مؤلّفاته التي تجاوزت العشرين، علاقة النقد بالسياقات الفكرية المولّدة له
من أولى إصداراته كان كتاب "دراسات في حركية الفكر الأدبيّ" (1991)، الذي تناول فيه نماذح مختلفة في الأدب العربي مثل دعبل الخزاعي وأبي العلاء المعري وأحمد شوقي وخليل حاوي وعمر الزعني وجبر ضومط، والرواية في النقد الغربي المعاصر.
يشير في الكتاب إلى أن الأكاديميا ليست سوى سُلطة، والسُلطة وحدها غير قادرة على تحقيق "شرعنة النقد"، فالسلطة بحاجة إلى مؤسسة فكرية، والباحث في النقد الأدبي العربي المعاصر مجبر على النظر في خلفية المؤسسة الفكرية التي تدعم الفكر النقدي، موضحاً أن انحصار النقد الأدبي العربي المعاصر في مجال الأكاديميا والأبحاث بين أهل الاختصاص، هو مظهر من مظاهر مأساة النقد.
ويقول في مقابلة سابقة إن "النَّقد الثقافي لا يندرج في رحاب الأكاديميا، بيد أنها، هذه المرَّة، الرحاب الأكاديمية التي لا تنظر إلى المادة الأدبية على أنها مجرد كيانات لغوية أوبلاغية أوهجريبية جامدة، بل على أنها نتاجٌ مركَّبٌ ينهض على تفاعلِ أمورٍ معهدية وحضاريَّة ثقافيَّةٍ كثيرة، من عناصر العيش الإنساني للفكر والتَّعبير والجمال، في ما بينها".
ترك فانوس العديد من المؤلّفات، منها: "الريحاني والمعرّي" (1993)، و"محاولات في الشِّعري والجمالي" (1995)، و"أحداث من السِّيرة النَّبويَّة في مرايا مُعاصرة" (1996)، و"مخاطبات من الضفَّة الأخرى للنَّقد الأدبي" (2001)، و"العلاقات العامَّة في المؤسَّسات الأهليَّة" (2003)، و"إشارات من التَّثاقف العربيّ مع التَّغريب في القرن العشرين" (2004)، و"لمحات من النَّقد الأدبي الجديد" (2012)، و"شفيق جدايل.. حكاية صوت" (2014).
إلى جانب مشاركته في تأليف المناهج المدرسية المتخصصة في الأدب العربي للمرحلة الثانوية في لبنان، وتأليفه عدداً من المسلسلات والبرامج الإذاعية منها "حكاية عمر"، و"موزيكا يا دنيا"، و"قضايا وآراء ومن حكايات العرب".