ذكرى ميلاد: فدوى طوقان.. القصيدة في مرايا الذات

01 مارس 2021
(فدوى طوقان/ 1917 - 2003)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الأول من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان (1917 – 2003).


تشير فدوى طوقان في كتابها "رحلة جبلية – رحلة صعبة" (1985)، إلى أنها لم تعرف يوم وشهر ميلادها على وجه التحديد، وحين كان عليها استخراج أول جواز سفر عام 1950 حاولت استذكار واقعة الولادة عبر ربطها باستشهاد ابن عم أمها كامل عسقلان قبل ذلك بنحو شهرين، حيث قدّرت يوم ميلادها بناء على تاريخ مثبت على شاهدة قبر، لتعلّق: "بين عالم يموت، وعالم على أبواب الولادة، خرجت إلى هذه الدنيا".

مقولة ترمي من خلالها الشاعرة الفلسطينية (1917 – 2003) إلى لحظة تاريخية حرجة كانت خلالها الإمبراطورية العثمانية تلفظ أنفاسها، وجيوش الحلفاء تواصل فتح الطريق لاستعمار غربي جديد، لتكمل رواية المشهد الذي يختلط فيه الشخصي مع العام، حيث تشير إلى أن الإنكليز احتلّوا فلسطين في عام مولدها، وفي نابلس ألقوا القبض على أبيها ونفوه إلى مصر مع رجال آخرين كانوا على وعي بأخطار الاستعمار الغربي الذي بدأ يظهر للعيون اليقظة، بحسب الكتاب.

وتسرد فدوى في تفاصيل سيرتها عن صلتها العميقة بأخيها إبراهيم طوقان الذي كان له دور كبير في مسار حياتها، حيث تكتب: "في تلك الفترة القاسية من سني مراهقتي، كانت يد إبراهيم هي حبلُ السلامة الذي تدلّى، وانتشلني من بئر النفس الموحشة المكتنفة بالظلام"، وخصّصت له كتابها الأول الذي صدر عام 1942 بعنوان "أخي إبراهيم" وفيه توثيق سيرَيّ لحياة الشاعر الفلسطيني (1905 -1941) بعين الأخت التي تفيض لغتها بالمحبة والتقدير لنموذج ترك أثره الكبير في تكوينها إلى الأبد.

بدأت كتابة الشعر ونشره بأسماء مستعارة منها "أم تمّام" و"دنانير" و"المطوّقة"،

كما وثّقت تاريخ فلسطين في فترة الاحتلال البريطاني مروراً بالنكبة، وصولا ًإلى هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967، حيث احتلّ الصهاينة مدينتها نابلس، فدوّنت: "شهر مضى على الاحتلال، لا أستطيع أن أكتب بيت شعر واحداً.  شهر آخر مضى ولا أكتب شيئاً.. صمت.. وصمت مستمر.. لكنه صمت واعٍ.. وليس غياباً أو فراغاً".

بدأت صاحبة ديوان "الليل والفرسان" (1969) كتابة الشعر ونشره بأسماء مستعارة منها "أم تمّام" و"دنانير" و"المطوّقة"، ولم تكمل تعليمها الأساسي لكنها بذلت جهوداً كبيرة لتثقيف نفسها عبر قراءات موسّعة في الأدب العربي، والشعر منه على وجه الخصوص، وأصدرت ديوانها الأول عام 1952 بعنون "وحدي مع الأيام" الذي تعبّر قصائده عن حالات ذاتية اختبرتها في بدايات حياتها مثل الحيرة والتيه والقلق من المجهول.

راكمت فدوى تجربتها عبر إصدار العديد من المجموعات الشعرية التي عبّرت عن عوالمها الداخلية وما تعايشه من عزلة واغتراب، ومنها: "وجدتها" (1957)، و"أعطنا حباً" (1960)، و"أمام الباب المغلق" (1967)، و"على قمة الدنيا وحيد" (1973)، و"تموز والشيء الآخر" (1989)، و"اللحن الأخير" (2000)، وتسّجل في "قصيدة "وجود": كنت على الدنيا سؤالا شريد/ في الغيهب المسدول/ جوابه استتر/ وكنت لي إشراق نور جديد/ من عتمة المجهول/ أطلعه قدر/ دار به الفلك/ ودار مرتين/ حتى انتهى إلي/ إشعاعه الفريد/ وانقشع الحلك/ وفي انتفاضتين/ وجدت في يدي/ جوابي الفقيد/ يا انت، يا أنت القريب البعيد/ لا تذكر الأفول/ روحك يستعر/ الكون لي ولك/ لنا، لشاعرين/ رغم المدى القصي ضمّتها وجود !!

إلى جانب كتاب يضمّ ثماني مقالات في النقد جمعها الباحث والأكاديمي يوسف بكار، وسيرتها التي نشرتها في جزأين هما: "رحلة جبلية، رحلة صعبة"، و"الرحلة الأصعب"، وفي الأخيرا أكملت قصة حياتها حتى الانتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني عام 1987.

المساهمون