خُماسيَّةُ بغداد

15 اغسطس 2021
(تمثال السيّاب في البصرة)
+ الخط -

(إلى السيّاب في رحلته)


1

غِربانٌ
تنعق عندَ مداخلها
وتقضُّ مضاجعَ مَوْتاها
تحتَ الأسوارِ
سَلالمُ من جَزَعٍ
تتسلّقُها أعصَابُ ضحاياها
وتمدّ الطَّرفَ إلى أبعد ممّا يصفُ الرّاوي
فترى في دجلة وجهاً يطفو
وغُراباً يضربُ فوقَ الماءِ جوانحَهُ
ويطيرْ.


2

كانَ الطينُ كثيفاً
يتراكم فوقَ سدودِ الماءْ
كانَ يسدّ الرّؤيا
ويغلّ جناح الطائرْ
من "سومر" أو "أكّادْ"
غرقَتْ بغدادْ
ألواحُ الطّينِ انحلَّت في ماءِ النهرْ
ومآذنُها
إذْ يصعدُ مِنها صوتٌ مرتجفٌ
أو حَشرجةٌ خَرساءْ
تبدو
كصواري سُفنٍ تغرقُ نحوَ القاعِ
ويطفو فيها
خَشَبٌ
سَمَكٌ نصفُ مريضٍ
سيّدةٌ كعروسِ البحرِ
مشرّدةٌ
بيضاءُ
تولولُ 
وا ...
م 
ع 
ت 
ص
م
ا
ه
(مُعتَصِماهْ).


3

الورقُ الأصفرُ ماتْ
تهربُ من كتبِ الوقتِ
حروفُ السّحرِ
وتغرقُ فيها الصّلواتْ
تغرقُ "باء" البابِ
"بميمِ" الماءِ
وتغرقُ في بغدادَ
"الغَيْنُ" الكوفيّهْ
يا "حاء" الحريّهْ
زورينا
وأغيثينا
يا همزةَ أوّل أسماءِ اللّه الحسنى
عودي.


4

مُثْخَنٌ وحزينْ
وللقبرِ قلبي يمدُّ يداً
ويقولُ انفتحْ
أنت ذخري
ومهوايْ
أنتَ ما ظلّ لي
يا ضريحَ الأحبّة
مِن جبهتي وهوايْ
أنتَ ما حَفِظتهُ التواريخُ لي/
مِنْ جراحِ الحسين
ومنْ عزّة المتنبي
ومن دَمعِ ليلى
وصَرحِ الرشيدْ
/ ومن ليلِ بغدادَ وهو بعيدْ
وفجر التسكّع بين المقاهي/
وأشعار "بدر" الحزينة
وهي ترثي المدينة.


5

كان "بدر" الذي لا ينامْ
فاتحاً كلّ أجفانه للسلامْ
وهو يُصغي
كان بدر الّذي نامَ تحت الحَجَرْ
حالماً بالمطرْ
كان "بدر" الّذي قام من قبرِهِ
حائراً
أين يمضي؟
فقد بدأت من جميع الجهاتِ
الطُّيور الأبابيلُ تأتي
وبغداد مفتوحة كالوليمهْ
لم يجد بيته
لم يجد في الطريق إلى "جيكور" نخلاً
لم يجد نهرَهُ
كان جرحاً قديماً
تخثّر فيه الحصى/
لم يجد شِعرهُ
أحرقته المغولُ
وألقت رماد القصائد في الريح/
لم يجد قبرهُ
وحين أتى بعضُ أهل "الخصيبِ"
لكي يسألوا:
مَنْ يكون الغريبْ؟
أشار الى وجهه في السماءْ
وطواهُ المساءْ.


* شاعر من لبنان

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون