كنتُ أحاول أن أملأ استمارة دائرة الهجرة والجوازات ــ يريدون أن يعرفوا عناويني القديمة:
حين تنزلُ من الجبل، قادماً من أبو الشامات في المنحدر الذي يُفضي إلى دمشق. تكونُ إلى يساركَ من هذا الارتفاع، مبسوطةً كالكفّ، باديةُ الشام. ثمّة في مرمى النظرِ التلالُ السود، وخِربة دير الشمالي، وسَبخة العتيبة، وحَرّان العواميد، وعشراتُ القرى الصغيرة المتناثرة، والبيوتُ الطينُ التي لا تعدو أن تكون نقاطاً في هذا المنبسط الشاسع...
لكنّ ذلك كلّه بعيدٌ الآن... بعيدٌ ويكتنفه ضبابٌ خفيف في الصباح، ولا يمكنكَ أن ترى أيّاً من هذا بوضوح، إلّا إنْ تخيلتَه، أو أنْ أكونَ بقربكَ حتى أحدّد لك الاتّجاهات...
بإمكانك أن تقول، من اللون القاتم شيئاً ما والنحاسيّ في أقصى الجنوب: لا بد أنها وعرة الصَفا، وإلى الغرب منها قليلاً جبلُ حَوران، بالبنفسجيّ الخفيف...
وهنا، عند حافّة البادية بيتي
ما زلتُ أحبُّ أن أحدّد موقعه هكذا: عند آخر نهر الأعوج، شرق حرّان العواميد، غرب التلال السود، جنوب جبل أبو العطا، حافّة البادية...
ومراتٍ كنت أقول أنّ حَرَمون إلى غربه، والقَرنة السوداء وطلعة موسى إلى شماله الغربي، هكذا حتى أُرشِدَ إليه الطيور.
■
يسألونني عن عناويني القديمة
أعرف أن أجوبتي لن تعجبهم:
يظنّون أنه شِعر.
* شاعر سوري مقيم في باريس