لطالما ترسّخت مقولةٌ حول عصرٍ أفَلتْ فيه العُلوم الطبيعية في العالَم الإسلامي، بعد عصور من الازدهار في حواضر مثل بغداد والقاهرة وقرطبة. لكنَّ ذلك الأُفول لا يتمّ تحديده بشكلٍ مُعيّنٍ، إلّا باللجوء إلى التاريخ الأوروبي والنظرة المركزية؛ وهنا يصبح الحديث عن "نهضة أوروبية" مع أواخر القرن الخامس عشر، مُستبطِناً تصوّراً نقيضاً كانت الحواضر الإسلامية تعيشه.
عام 2021 صدر عن منشورات "جامعة كامبريدج"، كتابٌ بعنوان "العلوم المُكتشَفة: العلوم الطبيعية في الإسلام بالمغرب خلال القرن السابع عشر"، للباحث البريطاني في مجال الدراسات الإسلامية جاستن ستيرنز (1974)؛ في محاولة لنقد تلك المقولة التي تنظر إلى العصور الإسلامية المتأخّرة بأنها مجرّد فترة أفول لإنتاج العلوم الطبيعية.
عند الثانية مساءَ الثالث من نيسان/ أبريل المُقبل، تنتظم في "الجامعة الأميركية" ببيروت ندوةٌ بالإنكليزية تحملُ عنوان الكِتاب نفسه؛ ويعود فيها ستيرنز إلى تقديم أطروحة كتابه الرئيسية، والتي يدعو من خلالها إلى سردية جديدة بعيدة عن المركزية الأوروبية.
يسعى الباحث إلى إثبات حيوية المجتمع الإسلامي الحديث، والحضور المبكّر للعلوم الطبيعية فيه، سواء من حيث الدراسة والاهتمام التعليمي أو حتى الإجراءات البحثية، متّخذاً من الحواضر المَغربية خلال القرن السابع عشر نموذجاً دَرْسياً لتأييد ما يذهب إليه.
كما يتطرّق الكِتاب إلى السياق المعرفي الإسلامي الذي تطوّرت فيه هذه العلوم، دون أن يكون هذا السياقُ مُشابِهاً بالضرورة للوَضع في الأكاديميات التعليمية بأوروبا في ذلك الحين.
لكنّ هذا التمايُز بين السياقَين واختلافهما، لم يُؤخَذ بعين الاعتبار في كتابات القرن العشرين، وهذا ما دفعَ إلى تصوُّر سردية حول أُفولٍ مُطلَقٍ للعلوم الطبيعية في الحواضر الإسلامية بنهاية العصور التكوينية للإسلام؛ وهذا ما تبنّاه مفكّرون أوروبيون وعرب على حدٍّ سواء.
يتكوّن الكتاب من مقدّمة وأربعة فصول، هي: "مشهد التعلّم في المغرب الأقصى"، و"بناء العِلم في المغرب بين القرنين 16 و18"، و"تقنين العِلم: مرجع العلوم الطبيعية في الشريعة الإسلامية"، و"كتابة العلوم الرياضية والطبيعية".