جاء الغريب لينتزع منّا بسمة

01 مايو 2022
تمثال نصفي لـ يانيس ريتسوس في بلدة مونيمفاسيا التي وُلد فيها في مثل هذا اليوم من عام 1909
+ الخط -

عندما يأتي الغريب

حينما كنّا منغلقين في الغرفة الكبيرة ذات المرايا المغطّاة،
جاء ذلك، بلا دعوة، غريباً - ماذا كان يطلب؟
نحن لم نكن نرغب في أن نراه، أن نسمعه، أن نتعرّفه.
ثوبه المُغْبَرّ كان مدعاة للشفقة - لم نكن نحن مَن يطلب رحمة - 
كان حذاؤه المتآكل يستدعي التعاطف، - لم يكن عندنا نحن شيء لنعطيه -
غريب، غير مدعوّ، ليس شريكاً لنا في حزننا، 
جاء ليحزن علينا؛ خلف لحيته المغبرّة
كان ضوء نجوم الابتسامة يرتجف
برضا الشفقة هذا، بموافقة محنته القديمة، وكأنّه يقول: "وهذه أيضاً ستعبر"،
كالزنانير المطرّزة على حيطان البيوت العتيقة
تجمع بين حكمة تدبير شؤون البيت وزهور من حرير متناقضة
ورود، وقرنفل، وزهرات الثالوث (لا البنفسج)
والأشرطة على مدار الجدران - المطرّزة الصفراء.
ماذا كان يريد؟ 
حتّى وإنْ كنّا نملك فَلَسْنا نريد أن نعطي شيئاً. فليدَعونا أخيراً في حزننا المهيب، المحترم، في موتنا،
في كبريائنا ألّا نجبن إزاء ظلال الأشياء. فلیدَعونا 
نستهلك وضعيّة ركعتنا، سامعين السوس معزّياً في زوايا الصمت.
فلیرحل، قلنا،
غريب، غير مدعوّ، مريب، - 
كان يدّعي أنّه فقير لنؤمن بثروتنا،
كيلا يُخجلنا، كي يرْشوَنا بيُتْمه، 
بنُحوله (وهو كان يبرز أضلعه العارية وصدره العريض)
لينتزع منّا بسمة من جديد، شهادة حياة جديدةً.

[...]

من أين كان آتياً هذا الغريب؟ ماذا كان يطلب؟ هل كان دربُه
آتياً من الأمس أو من الغد؟ على شَعره المتّسخ 
كان هناك رمادٌ وقطرات ندى - واضحٌ أنه مشى في الليل
وربّما يكون قد جاز في النار، تحت الجذوات. في صوته كنّا نسمع
صرير الباب عندما يفتحون ليحضروا لنا شاياً ساخناً،
عندما تكشط مناشر الحيّ ألواحاً كبيرة 
لورَش بناء جديدة، عندما يتجمّع في ظلّ السياج، في ظهيرة الصيف، المعلّمون والصنائعيّون والحرفيّون والعتّالون
ويتحدّثون عن أُجرة اليوم، مسهّلين الزمن،
مدوّرين الحياة إلى نصفَي كرة فقط متوازیَین تماماً
الواحد مضيء والآخر مظلم؛ وبعدها، في الصمت القصير الذي يتخلّل، كانت آخر ورقة من السنة الفائتة تُسمَع وهي تنسلخ وتسقط عن الشجرة بضجيج مرعب غير مسبوق بين ركابهم
بينما يستمرّون في حديثهم المُحِقّ عن الخبز والملح
أمّا الغريب فيتابع وحده بعيداً.


■ ■ ■


المرثيّة

يومَ نوّارٍ هجرتني، يوم نوّار أفقدك،
في ربيعٍ يا ابني أحببتَه، كنتَ تصعدُ إلى فوق
إلى السطح، تنظر، وبلا أن تشبع
ترضع بعينَيك نور المسكونة
كنتَ بأُصبعكَ الممدودة تُرِينِيْهِ واحداً واحداً
كلَّ حلوٍ، كلَّ جميلٍ، وشاحبٍ وورديّ
تُريني البحر يلتمع هناك كالزيت، 
والأشجارَ والجبالَ في الوِشاح الأزرق
والصغيرةَ الفقيرةَ العصافيرَ والنملَ والعُشَيبات،
وهذه الماسات وقد رَشَحَتْ جنبَها الجرّة.
فيا بُنيَّ، وحين كنتَ تُريني النجوم والكواكب،
كنت أشاهدُها أبهى في عينيك البحريّتين.
وكنت تروي لي بصوت عذب، دافئٍ رجوليّ
ما لِعَدِّه لا تكفي حِصيُّ البحر
وتقول لي، يا ابني، إنّ هذي كلَّها ستصبح لنا،
والآن قد انطفأتَ وانطفأ وهجُ نارِنا.


* المقطع السادس من مرثية ريتسوس الشهيرة والتي تقع في عشرين مقطعاً. وقد لحّنه ميكيس ثيوذوراكيس. القصيدة/ الديوان، من القصائد المناهضة للديكتاتورية وكتبها الشاعر، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم، عام 1936 في زمن الديكتاتور يوانيس ميتاكساس. 

** ترجمة عن اليونانية: روني بوسابا

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون