استمع إلى الملخص
- الرواية تثير الفضول البشري بسبب تناولها لمواضيع مثل العادات والتقاليد والطائفية، وتُقدّمها بمهارة فنية تجعلها أكثر إقناعاً.
- الأدب يمتلك قدرة على تلخيص المشاعر الإنسانية، لكنه لا يغير الواقع مباشرة، بل يتسرب إلى الوجدان الإنساني ببطء، مدافعاً عن القيم الإنسانية.
قالت الكاتبة الهندية أرونداتي روي، تعليقاً على ترجمة روايتها "إله الأشياء الصغيرة" إلى أربعين لغة (صدرت بالعربية عن "دار الجندي" في دمشق بترجمة جهان الجندي عام 1999): "لماذا يريد الناس في مختلف بلدان العالم معرفة ما يدور في قرية صغيرة جنوب الهند؟". كانت تلك القرية الصغيرة هي المكان الذي سجّلت فيه الروائية قصّة الحُب الممنوعة بمقاييس تلك البلاد، بين بطلة الرواية آمو، وهي تنتمي إلى الدين المسيحي، وبين فيلوثا وهو رجل ينتمي إلى طائفة المنبوذين.
أظنّ أنّ مثل هذا السؤال يضعنا أمام إجابتين: إحداهما تتعلّق بالمحلّي، أي برغبة البشر غير المعلنة في التعارف والتواصل والتفاهم أو التفهّم، وهو الأمر الذي يضمنه النوع الروائي أكثر من أيّ شكل من أشكال الكتابة، ذلك أنّ الرواية تُقدّم البشر أحياء يُفكّرون ويعشقون ويتعاونون ويمارسون حياتهم بشكل آخر يختلف عن شكل الحياة التي نعيشها، بحيث تخلق لدينا فضول المعرفة، وشوق الكشف عن المجهول.
وإذا ما كان الحدث الروائي يتحدّث عن خصوصية نادرة، والمثال الذي تُقدّمه الرواية، وكذلك المصائر العنيفة التي يتعرّض لها أبطالها، بسبب قوّة العادات والتقاليد، أو بسبب الطائفية والعنصرية التي يمارسها الناس بعضهم ضدّ بعض، فإنّ الفضول البشري يزداد قوّةً ولهفة، ويزيده حضوراً أن يكون مكتوباً بمهارة فنّية تجعل الحكاية أكثر إقناعاً.
تتعلّق الإجابة الثانية بالفنّ القادر على وضع العوالم الصغيرة والبعيدة والمهمَلة بصورة تظهرها كأنّما هي تلخيص وإيجاز للمشاعر الإنسانية مجتمعة. يُضفي الفنّ، أيّ فن الكتابة، متعة وجمالاً على الحدث الذي يُروى. هذه هي الأجوبة الممكنة.
للفنّ قدرة على تقديم العوالم الصغيرة والبعيدة كتلخيص للمشاعر الإنسانية
غير أنّنا لم نزل نقف أمام مفارقة لافتة لم تُحل بعد في أيّ مجتمع من المجتمعات، وهي أنّ البشر يتعاطفون مع الشخصيات في النص المكتوب، ولكنّهم يقفون مرتبكين إزاء السلوك نفسه في الواقع. ثمّة العشرات من الأمثلة: رواية أرونداتي روي نفسها لم تؤثّر في تغيير قواعد العيش داخل الهند. لا يزال المنبوذون منبوذين في العرف وفي القوانين، ومسرحية الملك لير، التي قُرئت ملايين المرّات، لم تمنع حتى اليوم من تكرار حماقة الأب الذي يوزّع ميراثه قبل أن يموت، على الرغم من السخط والرفض الذي يُبديه أيّ قارئ، كما أنّها لم تحُد من عقوق بعض الأولاد تجاه الأب، أو الأمّ.
وفي العموم لا نسمع اعتراضات جدّية على سلوك شخصيات الروايات المخالفة لبعض الأعراف، كما في رواية "الطوق والإسوارة" ليحيى الطاهر عبد الله. ولكنّ مصائر البنات اللواتي يعشقن خارج سلطة الذكور لا يزال مهدَّداً بالقتل، في حين لم يصدر بعد في أيّ بلد عربي قانون يدين تلك الجرائم، أو يمنع ما يسمّونه الأسباب المخفّفة.
غير أنّ هذا ليس مطلقاً، فالتربية التي يُقدّمها الأدب لا تظهر مباشرة، بل تتسرّب كالماء إلى الوجدان الإنساني.
في هذا الجانب يُظهر الأدب قوّة أخلاقية رفيعة، حين يدافع بلا كلل، في كلّ المجتمعات، عن القيم الإنسانية التي تخصّ الإنسان، ويخلق هذا التعاطف العميق مع الضحايا الذين يكونون في الغالب صورةَ الإنسان المثالية المشتهاة.
* روائي من سورية