كلّ مَن يعرفه يقول أنه المخزن. ربما اسمه كان هكذا دائماً، قلتُ ساهياً مرّةً. نسيتُ أننا نحن َمن قلنا لأوّل مرّة: نتعشى في المخزن...
أو انتظروا، سنحكي في المخزن، أو نسهر في المخزن...
لسببٍ ما، لم أسمّه بيتي، مع أنه منذ سنتين كان مكاني في كّل شيء وكل يوم، منذ أنْ لم يعد آمناً أن أبقى في بيتي. كان عادياً يومها أن نقول: لنذهب إلى المخزن.
أجل، هو مخزنٌ فسيح بجدران كُحلية، ومنضدة طويلة من خشب التوت، بست عشرة كوّة في السقف، مرصوفة في نسقَيْن من جهتَي الشرق والجنوب.
كوىً كانت تؤدّي وظيفتها على كلّ حال. أنْ تمرّر الضوء إلى قلب هذه الطبقة الدنيا من المدينة، وأن تضيء منضدة خشب التوت. أربع دعامات ضخمة في المخزن كانت تحمل ستة طوابق فوقها، لولا أن قذيفة الآر بي جي ارتطمت بأقربها وأنّي، بالصدفة، كنت وراء إحداها، لأصابتني مباشرةً ربما...
مائدةٌ من خشب التوت من مناشر بيت سَحم، أتيتَ بها قبل أن تُقصفَ المناشرُ والخشبُ وبيت سَحم وتُباد من أساسها...
لوحٌ سميك طوله ثلاثة أمتار من خشب التوت ــ صنعتُ له قوائمَ من جذوع الحور ــ احتفظَ على جوانبه بلحاء شجرة التوت الذي حَفرت عليه الأيّامُ تتابُع السنين.
كان مؤلماً في كلّ مرّة.
كان مؤلماً أن أفكّر، في كلّ مرّة، حين كنّا نجلس إلى مائدة خشبِ التوتِ هذه، أنّ الستّينيّ الطيّب من بيت سحم، الذي باعني هذا اللوح، قد قُصف ومَنشَرته والألواح كلّها...
■
غيومُ شباط َالبيضاءُ
النحيلةُ الخفيفةُ السريعةْ
بأعلى القذائف التي تعبر ولا تراها
بأعلى القرميد ومناشِرِ الغسيل على السطحِ وغابةِ الأطباق اللاقطة.
غيومُ شباط َالبيضاء
(النحيلةُ الخفيفةُ السريعةْ)
ذاهبةً إلى الربيع
ولا تلوي على شيء.
■
لا فائدة من إراءةِ الشهودِ، الكاميرات، المبعوثينَ، المراسلين.
الفجواتُ بقطر ثمانية أمتار، التي فتحتْها قذائف السوخوي بين أشجار المشمش والدرّاق في الأرض الموحلة الآن منذ أسبوعين من أثَر الثلج...
لا فائدة من الكشف عن الجذور المقطوعة...
على بعد أمتار قليلة
في الزاوية المهدومة، في العَتمة الباردة
الفجوة التي فتحتها الشظية في ساق الفتى...
■
القذائف، الطيران، الصواريخ، تعبر فوق ما تكتبونهُ...
لو تستطيع لقصفتِ الكلماتِ.
■
في هذا الصحوِ الأزرقِ الناعم
ما مِن سرابٍ لتقولَ:
هذا السرابُ
ذئابهُ وثعالبه.
من هذا الصحو الأزرقِ الناعم
تقعُ القذائفُ
وتأتي الطائرات.
دمشق، 2014
* شاعر سوري مقيم في باريس