شكّل يوم السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 حدثاً بارزاً في تاريخ لبنان المعاصر، حيث انتفض جمهور اللبنانيين من مختلف المناطق ضدّ القوى السلطوية. وقد تلت ذلك اليوم موجة ثورية عمّت البلاد، ووصفت بأنها الموجة الثانية من الربيع العربي، التي شملت إلى جانب لبنان؛ كلّاً من: السودان والعراق والجزائر.
في سياق بحث هذه الانتفاضة الشعبية، ودَرْس مؤدّياتها الاجتماعية والسياسية، صدر حديثاً عن فرع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في بيروت كتاب يحمل عنوان "انتفاضة 17 تشرين في لبنان - ساحات وشهادات"، بتوقيع مجموعة من الباحثين، وإعداد كلّ من: الباحث خالد زيادة والروائي محمد أبي سمرا.
يرصد الكتاب يوميات وتطوّرات الحراك الشعبي منذ انطلاقته الأولى، وما حفل به من تطورات سياسية وشعبية واقتصادية واجتماعية، أدّت إلى قلب مسار الواقع اللبناني. وتعود فكرة العمل، كما ورد في المقدّمة، إلى الأشهر الأولى من عام 2020، وتُدووِلت أفكاره الأساسية بغاية إنتاج عمل بحثي يواكب تطوّر المطالب والبرامج التي أعلنتها مجموعات المحتجّين من رجال ونساء، جماعات وجمعيات.
وفي ظل تسارع الأحداث، ولا سيما تراجع زخم الانتفاضة، وانهيار النظام المصرفي وقيمة العملة اللبنانية، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، هذا كلّه حوّل التداوُل إلى إنتاج عمل توثيقي وصفي، يستند إلى شهادات ومشاهدات ومادّة ميدانية - بحثية وتحليلية.
وجرى لذلك تأليف فريق عمل بحثي للنظر في وقائع الاحتجاجات ومجرياتها، وتجميع شهادات ميدانية حيّة من محتجّين، ورصد مجموعاتهم وجماعاتهم، مناطقهم ومصادرهم وانتماءاتهم الاجتماعية، أساليب مشاركاتهم وأشكالها ودوافعها في ساحات الانتفاضة. كما حرص فريق العمل على تسجيل شهادات موسّعة وجزئية لمشاركين من الذكور والإناث في التظاهرات والاعتصامات.
يندرج الكتاب من الناحية المنهجية في ما يطلق عليه اسم "التاريخ الراهن أو الآني"، حيث ينصبّ اهتمام المؤرّخ على رصد الأحداث من خلال المراقبة واستخدام الوثائق والشهادات المخطوطة أو الشفهية. أما القسمان اللذان استغرقا الحيّز الأكبر من الكتاب، فهما القسم الذي تناول ساحات المدن والبلدات الرئيسة التي شاركت في الانتفاضة؛ والقسم الآخر الذي يوثّق شهادات مشاركين ومشاركات تبيّن تنوع التجارب والأفراد، وتبايُن آثار الانتفاضة على كل واحد من أصحاب هذه الشهادات. أما القسم الأخير من الكتاب، فتضمّن قراءتين للانتفاضة ونتائجها من زاويتين مختلفتين.
تألّف فريق العمل البحثي لجمع المادّة الخاصة بوصف التحرّكات الاحتجاجية وتحوّلاتها من صحافيين وناشطين ومتابعين، هم: وليد حسين، وجميل كرم، وعبيدة تكريتي، وغيث حمود، وفوزي يميّن. وشارك بول طبر في هذا الباب بكتابته عن "أصداء الانتفاضة ومجرياتها في بلدان الاغتراب اللبناني"، وعن "البنية الرمزية للانتفاضة"، إلى جانب نص زياد الصائغ عن: "17 تشرين محاولات وإخفاقات وهواجس".
وكتب محمد أبي سمرا، في القسم الأول، نصاً عنوانه "على من قامت انتفاضة 17 تشرين؟"، إضافة إلى تسجيله الشهادات الموسّعة وكتابتها، وصوغه التقارير الوصفية عن الساحات وتحريرها. أما خالد زيادة فقد أشرف على الكتاب، وكتب نصّين، هما: "مرجعيات الانتفاضة"، و"لبنان الطوائف والسياسة".