امرأة عند نقطة الصفر

26 مارس 2021
نوال السعداوي
+ الخط -

صدرت الطبعة الثانية من كتاب نوال السعداوي "المرأة والجنس" عام 1972، بعد تسعة أشهر تقريباً من صدور الطبعة الأولى. وفي حساب التوزيع العربي، فإنّ الكتاب حقّق مبيعات سريعة جدّاً خلال مدّة قصيرة نسبياً.

كان حلمي التوني، الذي صمّم غلاف الكتاب، قد جعل من العنوان نفسه لوحةً كبيرة تغطّي ثلاثة أرباع الصفحة، كأنّما أراد أن يعلن تأييده الكامل لأفكار السعداوي التي فاجأت بها العالم العربي في ما يخصّ الموضوع الأكثر خفاءً وتستّراً في الحياة العربية: الجنس ومعناه في حياة المرأة والرجل معاً. وقد أحدث الكتاب هزّة عميقة في الوجدان العربي، إن لم نقل صدمةً. سوف يشهد على هذا عدد الطبعات التي تتالت بعدئذٍ، ريثما تُصدر الكاتبة الجزء الثاني من الكتاب بعنوان: "الأنثى هي الأصل" (1974). وأوّل ما يمكن تسجيله هو أنّ أثره العميق والنوعي إنما ظهر بين النساء العربيّات أكثر ممّا هو لدى الرجال العرب. والراجح أنّها قد قدّمت لهنّ حلولاً مهمّة في كفاحهنّ من أجل التحرّر. لقد كان الكتاب لحظة انتصار على الحاضر المتجمّد، ودعوةً لمستقبل آخر.

لا تستعدي الأفكار الركيكة أو المتهافتة أعداءً ومناهضين بهذا الحجم

وأهميّة أفكار نوال السعداوي، كما أثبت التاريخ المعاصر، وكما ظهر الآن بعد رحيلها، تأتي، في العالم العربي، من عدد أعدائها. ولعلّ وجود ذلك العدد الكبير من أعداء فكرها وأعدائها شخصياً دليلٌ على قوّة أفكارها، وصحّتها أيضاً (فلا تستعدي الأفكار الركيكة أو المتهافتة أعداءً ومناهضين بهذا الحجم)، ودليل على ضخامة المهامّ التي نهضت بحملها، مرّةً بوصفها أول امرأة عربية تنشر أعمالاً عن الجنس، وعن الجنس والمرأة، ومرّة بوصفها داعية للحرية في مجتمعات تلتقي فيها السلطة السياسية مع مؤسسات المجتمع الأكثر ظلاميّةً وانغلاقاً وعداء للحرية، ولحرية المرأة خصوصاً.

نوال

وهي استنتاجات يتوصّل إليها أعداء الجديد والمختلف في أوقات مبكّرة عادة، ويسارعون إلى محاولات وأد هذا الجديد أو ردعه، عِلماً أن أكثرهم لم يقرأوا كتاباتها (وقد زادت على خمسين كتاباً في البحوث والرواية والمذكّرات)، كما هي العادة العربية، ولم يناقشوا أفكارها. وهذا هو حال كلّ الأفكار الجديدة في مواجهة المجتمعات التي يتّسم الفكر فيها بالجمود والمحافظة. والغريب أن يكون من بين أعدائها الشخصيين من حمل خلافه السياسي معها على عاتق أفكارها التنويرية التي يؤمن بها عن حرية المرأة.

أكثر ما أثار قلق أو ذعر المعادين لأفكار تحرّر المرأة هو أنّها لم تكن داعية للتحرّر وحسب، بل طبيبة تعرف ما تتحدّث عنه جيداً من الناحية التشريحية لجسد المرأة. وهو موقف وضع المعارضين لأفكارها في وضع محرج، إذ كان يعني، إضافة إلى رفض موضوع التحرّر، رفضاً للعِلم أيضاً.

ميزة نوال السعداوي قناعتها بصحّة أفكارها، تلك التي جعلتها تخوض معارك وسجالات عديدة مع أولئك الذين حاولوا أن يكتموا صوتها وفكرها الجديدين، وهم لا يملكون إلّا القليل من شجاعتها وجرأتها في الدفاع عن الفكرة. 


* روائي من سورية

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون