ضمن سلسلة حلقات نقاش "التفكير النقديّ مع فلسطين" التي ينظّمها "المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة" في بيروت، عُقدت مساء أول من أمس الثلاثاء، الجلسة الأولى منها عبر منصّة "زووم"، بعنوان "صدى فلسطين في سياقات عربيّة"، الذي اتّخذ صيغة سؤال مركزي، وأجابت عنه مجموعة من الباحثين العرب، هم: إدريس كسيكس، وأميرة سلمي، وأيلين كتّاب، وحيدر سعيد، ويسّرت الجلسة إليزابيث سوزان كسّاب.
جاءت المداخلة الأولى من الباحثة الفلسطينية أيلين كتّاب، مسؤولة نقطة التواصل التابعة لـ"المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة" في فلسطين، والتي بيّنت أنّ العدوان كشف عن وحشية غير مسبوقة، مُؤيَّدة بازدواجية معايير الأنظمة الليبرالية الغربية، وبأنظمة عربية ارتضت أن تلعب دور شرطي المرور. في المقابل أصبح التضامن مع غزّة هو الفاصل بين الإنسانية واللاإنسانية، ففلسطين غدت رمزاً لتحرير العالَم من السرديّة الصهيونية.
وتستوجب المرحلة منّا، وفقاً لكتّاب، إنتاج موادّ معرفية عن تاريخ النضال، من أجل رفد التضامن العالمي واستمراريته. ومن الواجب الأكاديمي، أيضاً، ألّا نستمرّ باستخدام خطاب ومفاهيم غربية، بل السعي إلى إنتاج مفاهيم أصيلة؛ ومراجعة مقولات روّج لها الغرب كالديمقراطية والشفافية والمحاسبة ومُعاداة الساميّة والتنمية المُستدامة والخطاب الحقوقي، كما علينا إعادة النظر بمصطلحاتنا عن النكبة، والنكسة، والشهيد، والمقاومة، والحصار، والتطهير العِرقي، والفصل العنصري.
فلسطين بمقاومتها تُعيد مركزية التساؤل عن النضال ضدّ الإمبريالية
بدوره، أكّد الباحث العراقي حيدر سعيد، رئيس تحرير دوريّة "سياسات عربيّة"، الصادرة عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أن هناك جملة من القِيم والمفاهيم تطوّرت في ظلّ الحرب، أبرزها التضامن والعدالة، التي لمسنا شيئاً منها في انتفاضات عربيّة شعبيّة حصلت قبل أعوام في لبنان والعراق. لكنّ الأهم، وفقاً لسعيد، يتجلّى في إعادة مركزية القضية الفلسطينية كما لم يحدث منذ ثلاثين سنة.
وبخصوص ما حدث على المستوى الغربي، فهو صادم، برأيه، خاصة مع حالة القمع تحت حجّة "معاداة اللاساميّة"، والتي تجاوزت كلّ حدود الاستعمال السياسي لها، وتعميمها من سياقها الأورومركزي الضيّق، لتشمل كلّ العالَم، رغم أن التاريخ العربي والإسلامي لم يكن في ذات الحساسية مع اليهود كما أوروبا التي حاصرتهم في "الغيتوات".
أما الباحث المغربي إدريس كسيكس، مدير مركز البحث التابع لـ"مؤسّسة HEM"، فقد أشار في مداخلته إلى أن الغرب يعيش أزمة غير مسبوقة في التشكيك بالمفاهيم التي صدّرها. لكن في المقابل، ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أصبحنا بحاجة لظهور أخلاقيات تُدافع عن الموقف الإنساني. وعلى مستوى آخر أُعيد التفكير بمفهوم الاستعمار الإحلالي، الذي ظنّنا أنه تمّ تجاوزه في منتصف القرن العشرين.
كما لفت كسيكس إلى أنّ الصهيونية كمشروع سياسي في طريقها إلى الفشل، فجرائم التطهير العِرقي المُرتكبة بحقّ الفلسطينيّين ستُلاحِق هذا المشروع، ولن تكون هناك قدرة في المستقبل على تكرارها. علاوة على ذلك، هناك نظرة متشكِّكة وبعُمق في التأسيس الخرافي للأصل الواحد لليهود.
وخُتمت الجلسة بمداخلة الباحثة الفلسطينية أميرة سلمي، الأستاذة المساعدة في "معهد دراسات المرأة" التابع لـ"جامعة بيرزيت"، التي انطلقت من نقطة تَرابُط الرأسمالية والحداثة الغربية، التي تفرض نوعاً من التحليل "الواقعي" بخصوص القضيّة الفلسطينية وتصفيتها من خلال السيناريو الاستيطاني ذاته الذي استُخدم في العالم الجديد، وشرعنة المستعمِر لكيانه ومحو المُستعمَر.
وتابعت مُعتبرةً كلمة "طوفان" هي التوصيف الحقيقي لما يحدث اليوم، بأبعاده السياسية والفكرية، فالمقاومة في فلسطين ليست مجرّد سعي لإحلال سيّد محلّي مكان آخر مُستعمِر. بل إن أهمية ما يحدث في فلسطين يكمنُ في تدمير تلك الحدود التي جهد العالَم الرأسمالي في بنائها، كما أنّ فلسطين بمقاومتها تُعيد مركزية التساؤل عن الإمبريالية والصراع الإمبريالي.