القارئات

04 اغسطس 2023
"قارئة الرواية" لـ فان غوغ، زيت على قماش، 1888
+ الخط -

يختلف دَور النساء العربيات اليوم، في علاقتهن بالرواية، عن دورهن في مرحلة تأسيس الرواية في القرون الماضية، كما يلاحظ ذلك إيان واط في كتابه "نشوء الرواية". فاللافت اليوم أنّ حالة القراءة في العالم العربي تشغلها النساء، أو القارئات. وفي هذا الوضع، يجب أن تتغيّر اللغة، أو صيغة الغائب في اللغة، كي نتحدّث براحة وطمأنينة عن الدور المتوقّع للنساء في تطوّر الرواية العربية. إذ تسجِّل معظم كتب النقد، والنظريات الأدبية عن القراءة، الرخصة باسم "القارئ" ولا تذكر القارئة بوصفها معياراً، أو جهة مستقلّة في العملية الأدبية: القارئ في الحكاية، القارئ في النص، نقد استجابة القارئ، وهي النظرية الأكثر شهرة اليوم التي تتبع علاقة القارئ بالرواية، أو بالسرد عامّةً.

والظاهرة الجديدة اليوم ليست وجود هذا العدد الكبير من النساء اللواتي لا يقرأن وحسب، بل يُنشئن مجموعات قراءة، قد تكون مقدّمة ضرورية لترسيخ قيَم المجتمع المدني المضادّ والمخالِف لقيم السلطة الأحادية، ومبادئ الأحزاب الذكورية، وتعليمات العشائر التي تتقصّد إبعاد المرأة عن الواجهة من الأساس، لا عن صفحة القراءة وحدها.

الجديد اليوم في عالمنا العربي هو أنّ هذه المجموعات والجمعيات والنوادي والمنصّات النسائية تتّجه بقوّة لقراءة الرواية العربية. وبغضّ النظر عن الاختيارات - وفي رأيي أنّهن يخترن جيّداً مَن يقرأن - فإنّ الاتجاه نحو الرواية العربية يعكس اهتماماً ضمنياً لدى مجموعات النساء بالمجتمع العربي وبمشاكل المجتمع العربي، والقضايا الأساسية التي تشغل الناس اليوم، أو كانت تشغلهم أمس.

ليست القراءة بالضرورة شهادة جودة وإنما أصالة انتماء

واللافت أنّ اتجاه النساء مضادّ تقريباً، أو مخالف، لاتجاهات القراءة عموماً في العالم العربي، وهي اتجاهات غير مستقلّة عامّةً، وراضخة في كثير من الأحيان لتأثيرات المركز الأوروبي في اختيار النص المقروء، بحيث تغلب عليها قراءة المترجَم، وإهمال الكتاب العربي، أو تهميشه. وبهذا المعنى، معنى أن تقرأ نوادي القراءة النسائية العربية، الرواية العربية، ستكون له في المستقبل آثار كبيرة في ترسيخ وجود هذه الرواية من جهة، وفي تطوير أدائها، أو أداء الروائي العربي.

إنها بحثٌ عن لغة مشتركة تجمع النساء، فالنادي نفسه، أو فكرة النادي، ومرادفاته، تعني البحث عن رفقة من جهة، كما تعني البحث عن حلول مشتركة لأيّ مسألة ذات طابع عام، كما تعني رغبة الأفراد في الخروج من الشرنقة، شرنقة الوحدة، وتكريس المواصفات المسبقة المفروضة من قبل الرجل الذي يمثّل المجتمع غالباً، في الواقع وفي اللغة. القراءة هنا، هي قراءة النقد، والتقييم، والحوار مع الكاتب، وهو الملمح البارز أيضاً في عمل مجموعات النساء القرائية، حيث يواجه الكاتب أعضاء من المجموعات، من خلال أحد تطبيقات التواصل، ويسمع هناك رأي النساء القارئات في النص المختار، بعد أن يكنّ قد قرأنه جميعاً.

وبينما يتّجه الرجال نحو الرواية المترجَمة، متجاهلين غالباً حضور الرواية العربية، باستثناء روايات الجوائز، التي تعمل وفق وصفة السوق أيضاً، ورازحين تحت تأثير مراكز الثقافة العالمية، تكسر النساء روح الخنوع، ويتّجهن لقراءة الرواية العربية.

لا تعني القراءة بالضرورة شهادة الجودة، وإنما تعني قبل كل شيء أصالة الانتماء.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
 
المساهمون