ضمن سلسلة الندوات الشهريّة التي ينظّمها "منتدى البدائل العربي للدراسات"، بالتعاون مع "موقع صفر" الإلكتروني المتخصّص في الشأن الاقتصادي، عُقدت مساء الأربعاء الماضي ندوة افتراضيّة بعنوان "مؤتمر الأطراف باتفاقيّة المناخ COP-28 وعدالة التعهّدات المناخيّة ومنطقتنا"، بمشاركة ثلاثة باحثين؛ هُم: أحمد الدروبي وعمر سمير ويارا عبد الخالق، حيث تناولوا التساؤلات المرتبطة بعدالة التعهّدات التي تَنتج عن مثل هذه المؤتمرات التي تنتظم سنويّاً برعاية الأمم المتّحدة.
مهّد الباحث اللبناني مارك أيوب للندوة، لافتاً إلى أنّ الدورة الأخيرة من "مؤتمر المناخ" التي عُقدت الشهر الماضي في دبي، جرت في ظلّ حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة، لكن لم يجرِ الالتفات في المخرَجات إلى ما تحمله هذه الحرب من إبادة بيئية، نظراً للكمّيات الهائلة من غاز الكربون التي تخلّفها الأسلحة الإسرائيلية.
تركّزت المداخلة الأُولى، التي قدّمها الباحث المصري أحمد الدروبي، على "التعافي الأخضر والوقود الأحفوري"، حيث أشار إلى مسؤوليّة البلدان الكبرى في التغيّرات المناخيّة، في حين أنّ قارّة بكاملها مثل أفريقيا لا تتخطّى انبعاثاتُها اثنين في المئة من انبعاثات العالَم، مقابل 25 في المئة في حالة الولايات المتّحدة الأميركية. وبالتالي هل سنبتعد عن الوقود الأُحفوري فعلاً، كما وعدت الدورة الأخيرة من المؤتمر، أم من الأجدر النظر إلى القدرة النسبيّة لكلّ دولة؟ وخلص الباحث إلى أنّه في ظلّ هيمنة الدول الغنّية على إنتاج الوقود الأحفوري وما يخلقه هذا من أنماط إنتاج استعمارية، يصبح من الضروري التفكير في "ديمقراطية الطاقة".
بدوره، تناول الباحث المصري عمر سمير، في مداخلته، مسألة "التمويل المناخي وجبْر الأضرار"، لافتاً إلى أنّ تعهّدات المؤتمرات السابقة لم تُنفَّذ بالشكل اللّازم، ومنها مساعدة الدول الغنيّة للدول النامية على مواجهة التغيّرات المناخيّة، سواء من ناحية التخفيف أو التكيّف. فعلى سبيل المثال نحن بحاجة إلى تريليون دولار حتى نخفّض انبعاثات الكربون إلى الحدّ الأدنى، ولكن ما دُفع في هذا الإطار أقلّ من واحد على عشرة. وبالنسبة إلى المنطقة العربية، فلو ظلّ الحال على ما هو، ستخسر بلداننا 14 في المئة من إنتاجاتها المحلّية، الأمر الذي يدلّ على انعدام عدالة حقيقي في توزيع الخسائر.
تدمير النظُم البيئية استراتيجية استعمارية مستمرّة منذ 1948
"الاحتلال والغسيل الأخضر وحقوق الفلسطينيّين البيئية"، عنوان المداخلة الثالثة التي قدّمتها الباحثة اللّبنانية يارا عبد الخالق، وأشارت فيها إلى أنّ الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزّة، سيكون لها تأثيرٌ طول الأمد على البيئة، كما أنّها لم تبدأ اليوم، بل تندرج في السياق الاحتلالي - منذ 1948 - الساعي لتدمير النظم الإيكولوجية، بهدف محو الوجود الفلسطيني عن أرضه التاريخية.
ونبّهت الباحثة إلى أنّ المنطقة العازلة التي أنشأها الاحتلال في غزّة، منعت المزارعين من الوصول إلى أرضهم، وكذلك في لبنان حيث أحرقت "إسرائيل"، منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، 462 هكتاراً من الغابات والأراضي الزراعية، ما تسبّب في خسارة أكثر من 40 ألف شجرة زيتون، فضلاً عن تلويث التربة والمياه بآثار الفوسفور الأبيض.
واعتبرت عبد الخالق أنّ "الإبادة البيئية" هي التشخيص المناسب للجرائم التي تُمارسها "إسرائيل" يوميّاً في فلسطين وجنوب لبنان، والتي تنعكس بالضرورة على الحياة اليوميّة للسكّان. ولخّصت مظاهر الإبادة البيئيّة بدفن النفايات الصّلبة، ومصادرة وتلويث المياه الجوفيّة، واستخدام المواد الإشعاعية، واقتلاع وإحراق الأشجار، ومواصلة الاستيطان. "لكن في المقابل، يُغطّي الاحتلال كلّ هذه الممارسات، من خلال 'الغسيل الأخضر'، فنراه مُشاركاً في المؤتمرات البيئية، معتمداً على 'بروباغندا' سياسية تقوم على مبدأ التلاعُب بالقيم البيئية لتحسين صورته".