الروائي والأرض

11 ديسمبر 2020
حسن الشرق/ مصر
+ الخط -

هذا واحد من الكتب النقدية القيّمة التي غابت عن الحياة الثقافية العربية، بعد أن رحل مؤلّفه عبد المحسن طه بدر عن دنيانا. ويكاد العنوان ("الروائي والأرض") يقول إن الكاتب سوف يسير على النهج المعتاد الذي يختار موضوعاً ما، ويبحث "ماذا" قيل عنه في الرواية، كأن نقرأ عن الرواية والقومية، والرواية والتاريخ، والرواية والثورة، حيث تتساوى الروايات، ويختلط الجيّد فيها بالمتوسّط، أو بالرديء، فيما يكون موضوع الناقد هو القومية أو التاريخ أو الثورة، لا الرواية. 

غير أننا، أمام ناقد مثل عبد المحسن طه بدر، سوف نشهد أنه يبحث عن أمر آخر في الرواية، وهو "كيف" قالت الرواية عن مسألة الأرض، لا ماذا قالت. أي إننا أمام سؤال عن فن الرواية، لا عن تاريخها. أو هو يبحث تاريخها من خلال تطورها الفني، وعمق تناولها للموضوع من خلال تماسك تقنيات الرواية.

ولهذا فإن تطور رؤية الأرض في الرواية، يعني تطور فن الرواية، وهي معادلة فنية ونقدية في غاية الأهمية بالنسبة للكتابة الروائية، وموقف القراء من الرواية. ففي كل حين وكل وقت نسمع من يسأل الروائي العربي عن موقفه من الثورة، ويسأل أيضاً عن دور الرواية في الثورة، ولماذا تأخرت الرواية عن مواكبة الثورة، وفي ضمير الأسئلة الداخلي إدانة خفية مضمرة للرواية، حيث يظهر الموضوع نقياً طاهراً مجرداً من العيوب، بينما تُتّهم الرواية بالتقصير.

تطوُّر علاقة الروائي بالأرض هو تاريخ تطوُّر وعي الروائي الفني

أما الحقيقة الفكرية والنظرية التي تكمن وراء ذلك فهي أن عدم الاقتراب من فن الرواية في المؤلفات التي تتناول الموضوعات يعكس أمرين: الأول هو اعتبار الرواية ملحقاً بالموضوعات، وبعض هذه الموضوعات خطير في حياتنا كالقومية أو الوطنية ويمكن أن تسجَّل ضد الروائي ملاحظات تدين تأخره أو تجاهله أو عجزه عن مواكبة قضايا الوطن والأمة بعد تفحص المجال الذي استجاب فيه لأي من هذه الموضوعات في رواياته.

وفي هذه الحال قد يحصل روائي يمجّد الوطن برواية عادية، أو ذات سوية فنية متواضعة على استحقاقات وأوسمة أكثر بكثير من روائي يكتب رواية جميلة عن الحب أو الصداقة. والثاني هو عدم العناية بتطور فن الرواية من حيث البنية والمعمار وألوان التشكيل الأخرى. وقد يكون هذا التوجه سبباً في نكوص النقد العربي عن المتابعة الفنية لتطور الرواية، أو أحد أسباب عدم انتقال تجارب التجديد في الرواية العربية من جيل إلى آخر.

هذه هي أهمية هذا الكتاب الممتع، إنه يتابع تطور الرواية العربية الفكري والفني في تاريخها الحديث، التطور الذي يفصل بين الرؤية الرومانسية إلى الواقع، كما ظهرت في رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل، والرؤية الواقعية التي ظهرت في رواية "أيام الإنسان السبعة" لعبد الحكيم قاسم. وبينهما يأتي توفيق الحكيم برؤيته الفكرية المثالية في روايته "يوميات نائب في الأرياف" وعبد الرحمن الشرقاوي برؤيته شبه الواقعية في روايتيه "الفلاح" و"الأرض". ومن خلال انتقال الرؤى الفكرية من روائي إلى آخر سوف نرى أن تاريخ تطور علاقة الروائي بالأرض، أي بالواقع، هو تاريخ تطور وعي الروائي الفني.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون