الإرهاب واستئصال العدو المستحيل

14 ديسمبر 2015
ريفيرا في عمل فني له(Getty)
+ الخط -
ما الإرهاب؟ كيف نعرّفه؟ هل يمكن نعت مقاتلي المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، تبعًا لتوصيف رونالد ريغان ومارغريث تاتشر، بأنهم إرهابيون؟. قام عمل أولئك الذين استعملوا هذا التعبير، على مرّ السنين على تطويره وإشاعته، وغالبًا ما كان الهدف من استعماله، تشويه سمعة "العدو". تمامًا مثلما وُظّفت الكلمة دائمًا بهدف الحط من قيمة قضية والحيلولة دون التفكير فيها.
ولقد تزاوج في الأعوام الأخيرة، في أجهزة الدولة في الشرق الأوسط معجمان متباينان؛ الأوّل معجم مناهض للإرهاب، مع ما يتضمنه من تجريم للعدو: إنه معجم المحور الذي يتألّف من حلف الأقليات، والمستعمل للتعريف بكل الأعداء، وبشكل خاص في سورية والعراق. إنه المعجم نفسه الذي يستعمله الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر لتعيين الجهاديين ومجمل الإخوان المسلمين. على العكس من ذلك، يستعمل التحالف السعودي، في حرب اليمن، تسمية "المتمردين"، للإشارة إلى الحوثيين وحلفائهم. كما يطلق تسمية مقاومة على خصوم الحوثيين على اعتبار أن هذه المقاومة ما زالت تحافظ على شرعية الدولة.
لكن يلجأ كلا الطرفين إلى المرجعية الدينية. فالشيعة يستعملون توصيف "تكفيري" (أي الشخص الذي يستثني خصمه أو عدوه من صفة مسلم) لتعيين الطرف الآخر، أي السنة الراديكاليين (المتشددين). كما أن الخصوم السنيين للإخوان المسلمين يعيدون تطبيق التوصيفات نفسها، من قبيل أنهم غُلاة وأصحاب فكر خوارجي (نسبة إلى الخوارج). هكذا يتم مزج معجم مقتبس من القانون ومن علوم السياسة مع معجم آخر، له أصل وسند ديني ولاهوتي. وفي خضم هذا الخلط، لا مكان لتناقض ثنائي يتعارض فيه طرفان، بل ثمة معسكر واحد لأقليّات تدعمها إيران، وثمة قسم من الأغلبية السنية مشرذمٌ إلى عدة أطراف. في الوقت نفسه، رفعت الدولة الإسلامية راية الجهاد، والذي كانت إحدى تبعاته، طرح إمكانية التحالف مثلًا مع قدماء تنظيم القاعدة ضدّ الحوثيين أو ضدّ نظام بشار الأسد. اليوم، ثمة عدم تطابق ما بين التعريفات المقدّمة للإرهاب من الناحية القانونية، بصفته "تجمعًا لمجرمين مؤلّفين من شخصين أو أكثر"، وبين الحقيقة على أرض الواقع. ثلاث حركات على الأقل تعرّف جزئيًا أو كليًا على أنها إرهابية. هذه الحركات هي: حماس وحزب الله وداعش. تملك هذه التنظيمات الأرض والإدارة والجيش. كما قد تمتلك عتادًا حربيًا ثقيلًا. في هذه الحالة، نحن نتجاوز تنظيمات حرب العصابات التقليدية. ورغم بشاعتها، فإن تهمة الإرهاب التي تلصق بالدولة الإسلامية ليست ناجعة، على النقيض من تهمة اقتراف جرائم ضدّ الإنسانية. فالدولة الإسلامية تكرر "خطاطة" الحرب الثورية التي خاضتها المقاومة في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، وأيضًا المقاومة في الصين والهند الصينية، والتي قامت على الهدم العنيف للدعم المباشر وغير مباشر للعدو. كما تتدخل في حياة الناس، باستعمال التخويف والترهيب أو توفير الحماية، أو حتى توفير الخدمات لمواطنين عزل. وفي الوقت نفسه، ترفع شعارات نارية من أجل التعبئة والحشد. في ما مضى، رُفع شعار التحرير الوطني وشعار الثورة، واليوم يُرفع شعار الخلافة.
خلف اليافطة الجديدة المناهضة للإرهاب، نجد أنفسنا منقسمين بين حلول سياسية مشكوك فيها، وبين استئصال مستحيل للإرهاب، وذلك ضمن الخارطة الراهنة للقوى الموجودة في الساحة. ومن المؤكّد أن الانهيار الممكن والمتوخى لنظام بشار الأسد، سيفسح المجال لإعادة فتح مجال أمام الاحتمالات. كما قد يمكننا من توضيح رهانات وعلاقات القوى على أرض الساحة.
اقرأ أيضا: أندريه ميكيل.. هكذا كلّمني الشرق

* ترجمة المعطي قبال
المساهمون