استمع إلى الملخص
- اللوحات تعكس ثنائية الحركة والسكون، الوطن والمنفى، وتستخدم رموزاً مثل الطاولة، السمك، والكرسي للتعبير عن الاتحاد، الترحال، والاستقرار.
- تعبر اللوحات عن مشاعر الفنانة تجاه الواقع والأشخاص، وتستخدم ألواناً متناقضة لتعزيز دلالات الثبات والحوار في عالم مليء بالرموز.
"لقد خلقتُ عالمي للهروب من الواقع، فصمّمت عالماً يناسبني، وواقعاً يشبهني"، بهذه العبارة تقدّم الفنانة اللبنانية سارة أبو مراد معرضها "البقاء أو الرحيل"، المقام حالياً في غاليري "جانين ربيز" ببيروت، ويتواصل حتى الثالث والعشرين من آب/ أغسطس الجاري، حيث تعرض الفنانة اللبنانية، التي هاجرت إلى فرنسا عام 2020، ما يقرب الثلاثين لوحة، بأحجام مختلفة، نفّذتها بتقنية الأكريليك، تتناول فيها موضوعات الهجرة والحركة الجغرافية للأفراد، والتأثيرات الجماعية والفردية الناتجة من الانتفال، إضافة إلى موضوعات الانفصال وتفكّك الأسر.
البقاء أو الرحيل، تلك هي القضية في واقع هشٍّ يطرح على المرء الذي يعيش تحت ضغوط الحروب والفساد والفوضى والطائفية، في بلد شبيه بلبنان، أسئلة لا نهائية حول المنفى والاستقرار والتفكّك الأسري. والجواب هو في اللوحة واللون والرمز، بالنسبة إلى الفنانة، حيث الطاولة الموجودة بأرجل آدمية في معظم اللوحات، تشير إلى الاتحاد والمتعة والتواصل المجتمعي، وحيث السمك يشير إلى الترحال، والكرسي هو مكان الجلوس والاستقرار. ولكن هل يمكن الاستقرار في بلد يعيش في حرب لا تنتهي؟
ثلاثون لوحةً تفتح الآفاق على عالَمين رمزيّين: داخليٌّ وخارجي
هذه الثنائية التي تعيش فيها الفنانة تفتح الأفق على عالَم خيالي مليء بالرموز، ولكنّها في الوقت نفسه تفتح الأفق على عوالم الفنانة الداخلية، حيث تركن تلك المشاعر التي تجتاحها تجاه الواقع والأشخاص والأدوات والعناصر من حولها. اللوحة، ضمن هذا المعنى، فضاء التعبير عن هذين العالَمين، الخارجي والداخلي، وما بينهما من اهتزازات العالم اليومي المباشر والروتيني الذي تعيشه أبو مراد.
وإن كانت الفنانة اللبنانية تعيش في هذه الثنائية الدائمة، ثنائية الحركة أو السكون، الوطن أو المنفى، التحوّل أو الثبات، فإن لوحاتها لا تقدّم جواباً واضحاً، فأسلوب حياة المنفى مثير للشكوك، ولكن له تطلعاته وأحلامه، كذلك فإننا نتعرّف فيه إلى الآخر الغامض. لكن بالمقابل، فإن اكتشاف مكان جديد ليس بالأمر السهل، كذلك فإنه ليس سهلاً اختبار مشاعر الخوف وعدم الاستقرار والهجرة والبدء من النقطة الصفر.
هذه الجدلية المفجعة المفروضة على الفنانة، وعلى أيّ إنسان يعيش في ظلّ الإبادة والأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية القاسية التي تعصف بالعالَم، تجعلنا ننتقل من أسلوب الحياة الجماعي إلى أسلوب الحياة الفردي. وفي أسلوب الحياة الفردي تتغيّر الرموز وتُكتسَب معانٍ جديدة: السمك، الرمان، الكراسي المربوطة بخيط حول طاولة، السكين، الصحن، الحوريات، كلّها رموز تعيش في لوحة أبو مراد تارةً متنقلة، وتاركة ساكنة، ودائماً بمعانٍ جديدة.
لا تكتفي الفنانة اللبنانية بجدلية البقاء أو الرحيل ودلالاتها، بل تجسّد هذه الثنائية أيضاً في اللوحة نفسها من خلال اختيار ألوانٍ متناقضة، لكنها ألوان تتآخى في نسيج الموضوع، حيث الأحمر يعانق الأزرق، وحيث لون الجلد الآدمي لا ينفصل على الطاولة، رمز الاستقرار والثبات والحوار.