إذا كانت "مدرسة شيكاغو" من أبرز التيّارات التي ساهمت في تشكيل علم الاجتماع المكتوب باللغة الإنكليزية خلال القرن العشرين، فإن عالم الاجتماع الكندي ـ الأميركي، إرفينغ غوفمان، يُعَدّ، مع الأميركي هاورد بيكر، من أبرز ممثّلي الجيل الثاني من هذه المدرسة.
برز اسم غوفمان منذ نهاية الخمسينيات، حيث سرعان ما تحوّل كتابه "تقديم الذات في الحياة اليومية" (1959) إلى عمل مرجعيّ في فهم التواصل والاحتكاك الاجتماعي، ولا سيّما من خلال مجموعة المفاهيم التي جاء بها حول "مسْرَحَةِ" التفاعل الاجتماعي، وحول مفهومَيْ حفظ ماء الوجه والوصم اللذين توقّف عندهما في كتاب بارز آخر هو "الوصْم" (1963).
عن منشورات "إم. كا. إف." في باريس، صدر حديثاً، بالفرنسية، كتاب "من إرفينغ إلى غوفمان" للباحث البلجيكي إيف وينكن، المتخصّص في سوسيولوجيا غوفمان والذي سبق له أن تتلمذ على يديه إبّان دراسته في الولايات المتّحدة.
يأتي العمل بمناسبة الذكرى المئوية لولادة غوفمان (1922 ــ 1982)، وفيه يُعيد وينكن بناء مسيرة غوفمان منذ بداياته واشتغاله على أطروحة الدكتوراه التي أجرى من أجلها بحوثاً ميدانية في إسكتلندا، ووصولاً إلى تكريسه كأحد أبرز الأكاديميين المؤثّرين في النقاشات السوسيولوجية خلال القرن الماضي.
على أن الطريف في هذا الكتاب لا يتوقّف فقط عند استعادته للمراحل التي مرّ بها الكاتب، وبحثه المعمّق في أرشيفه الشخصي، إضافة إلى تضمين الكتاب العديد من الصور والوثائق المتعلّقة به، بل قبل كلّ شيء اختيارُ المؤلّف تطبيق المبادئ السوسيولوجية التي جاء بها غوفمان، على هذا الأخير، حيث يُحلّل النحو الذي كان يتفاعل من خلاله مع الباحثين والتلاميذ والإعلاميين الذين كان يقابلهم، ويستخدم من أجل ذلك مفاهيم غوفمان حول المسرحة، وطرق استخدام الخطاب الشفاهي، أو طريقة الحديث عن الذات أمام جمهور من المستمعين.