إشعال حلم وإنْ كان صغيراً

30 مايو 2022
لويجي أبا (العربي الجديد)
+ الخط -

مستشفى

ما وراء الكاتدرائيّات الصّفراء
ما وراء الشّوارع التي ينتهي إليها البَصر والرّيح،
ترقدين، وأنت تجهلين ما يجابهه ثيسيوس 
في متاهة الوحل والمستنقعات، المرائب
والأبنية المهجورة ذات السّتائر الدوّارة الزرقاء
الإشارات المروريّة المنخلِعة، الصّدوع والثّقوب في الجدران
وهي تُرشد المارّة الّذين يجرّون آلامهم. 

وفي نهاية المطاف أجدني
في قسم طوارئ التوليد، المخفيّ
وراء واجهة زجاجيّة خضراء
كقلعة بهيّة.

سأقتل التّنين، 
وحيث تنامين أنتِ، أيّتها العذبة،
يا أريادني الجديدة،
ستصبح حكايتُنا خرافةً جديدة.

*

نقطة ضعفٍ شديدة هو التّدخين
وإذا ما كانتْ فيك رغبة، فالسّهم يشير إلى الأريكة:
دخّن ههنا، بينما في الدّاخل
يغطّي ضجيج العجلات على الخطى المرتبكة
وعلى البكاء والصّراخ، وصفّارات الإنذار ورنين الهواتف.

أنتظر خارج أبواب مصفّحة
ذات زرقة تمنع توغّل البصر
وفي ممرّات كأنّها شوارع صفراء
حيث تجلس، ثمّ تترك مقعدك
تسير وتعدّ خطاك
تتطلّع من نوافذ تُطلّ على نوافذ أخرى، صامتة.

ثمّة جرس أحمر، فقط، يرنّ فترتعد فرائصي
في صمت وجوه أُخرى، ونظرات خاوية
يرتفع ذات الصّوت السلطويّ الّذي يمنعني أبدًا من رؤيتك، يا حبيبتي:

وعلى جراحك التّي لا تصفها الكلمات
على انتظاري،
يكون جوابه الأبديّ: مَن أنت؟

ها أنت في هذا النّضح الأبديّ للوقت
في الحاضر الّذي يلتصق.

ها المطر ينزل، كما كان نزل أبدًا،
ينساب في بالوعات التّصريف
وها أنت ترى الحشرات ذاتها.
سُئلتَ فقط إذا ما كنتَ تذكر
المقعد الأحمر، المدفأة،
الطّاولة الّتي كانت بأكملها من الغرانيت،
الجدّة ورائحة الكَرَفسِ
ورائحة الشّوكولاتة.


■ ■ ■

الآلام تحت الأوشحة

في العصر الأحمر
بينما أنت تنتظرُ وتراقبُ 
من خلل الزّجاج ساحةَ الحافلات، 
تخيّل:
آلام كلّ إنسانٍ
في خطاه المنهكة،
الحقائب المكدّسة،
الهواتف المحمولة وسمّاعاتِ الأذن، 
الأسلاك الّتي تمتدّ إلى ما لا نهاية،
مثل فيديو بصوتٍ عالٍ،
في روائح الأيام
والأطعمة المتبّلة.

الآلام تحت الأوشحة، وتحت المظلّات
والأمطار الخفيفة جدًّا،
لا طائل منها سوى التّأخير
وتضبيب عدسات النّظّارة:
لنْ تنظّف شيئًا قطّ
بينما هي تحمل معها مساءً آخر.


■ ■ ■

إشعال حلم وإنْ كان صغيرًا

أرغب أحيانًا أنْ أعلّق رأسي،
أنْ أكون حافيَ القدمين، يكتنفني الخمول
كيْ ألتقطَ فكرة واحدة على الأقلّ
وأُبعدَ
العقل عن أعضائه
والأنف عن الرّوائح
والأذنيْن عن الأصوات
والعيْنيْنِ عن الضّوء.

النّجوم في الخارج تضطرم. 

*

ها هو رأسي على الجدار
مطليٌّ بالأزرق.
إنّه أثاث لا غير،
فوق رفٍّ من خشب الكرز.

سأستعيده فيما بعد:
لن أستغرق أكثر من لحظة إشعال حلم
وإنْ كان صغيرًا.


■ ■ ■

جزيرة أورتيغا

في الشّمس الحارقة والحرّ
السّائح ذو الوجه الضّخم،
فمه العظيم الأحمر
وهو يلتهم الأستِردِيةَ في سوق السّمك. 

يأكل العالم، الوهم،
يبتلع الحرّيّة والزّرقة
والسّعادة المفرطة
لأنّ الأستِردِية لا تكلّف سوى يورويْن وخمسين سنتًا
مع كأس نبيذ أبيض مجّانية.

في شهر آب وساعاته،
في الصّيف لا يقين
حتّى في وقوع الموت.


بطاقة
Luigi Apa شاعر إيطالي من مواليد عام 1998 في مدينة ريدجو كالابري - "رَيُو قِلَّوْرية" باسمها العربي القديم - التي تقع على الضفة المقابلة لجزيرة صقلّية. 

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون