أنا

08 يونيو 2024
طفلان فلسطينيان على درّاجة في حديقة عامّة بمدينة غزّة، كانون الأوّل/ ديسمبر 2022 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "أنا" تجسد معاناة الحياة في غزة، حيث الدمار والخراب يحيطان بكل شيء، والبحث عن الأساسيات مثل الطعام والأمان يصبح حلمًا بعيد المنال.
- تعكس القصيدة فقدان الهوية والانتماء في وسط الفوضى، حيث الوجوه بلا ملامح والأحبة غير معروفين، والرغبة في العيش بسلام تبدو كأمنية مستحيلة.
- تسلط الضوء على النفاق السياسي والاجتماعي، حيث الدعم الظاهري يتناقض مع الأفعال الحقيقية، وتصور الأرض كشاهد على الصراع والأمل في النمو والتجدد رغم الدمار.

"أنا"،
تركض حافية في غزّة،
تقف أمام ركام حجارة، تقول:
هنا كان بيتي،
ثمّ تمضي، تقطع شوارع تهدّم كلّ ما كان
على جوانبها من عمارة وبنيان.
تشير إلى قذيفة كتب عليها:
الممثّلون،
الرؤساء،
النوّاب،
والتلاميذ:
ليكن رميكم سديداً
وقتلاكم بلا حصر.
ثمّ تلتفت إلى نافذة محطّمة،
كانت تقف وراءها صبيّة؛
تسمع فيروز،
وتسقي بنسيم بحر غزّة حبقها الفوّاح.

"أنا"،
تحدّق في وجوه الهاربين من
جحيم نازلٍ من السماء،
فلا تجد أحداً تعرفه،
بل لم يعد للوجوه هيئة الوجوه.
أقدامٌ تركض إلى لا أين،
لا تصحبها صرخات
لا تعقبها صرخات.
الموت بلا قلب،
القتلى بلا ملامح!

"أنا"، 
تشتهي: حبّة طماطم، حبّة فراولة، كسرة خبز، رائحة شواء، لعقة سكّر، رشفة لبن، ملعقة مرق، ملمس الزبدة، بيضة مسلوقة، سباتاً لا يقطعه هلع، قميصاً لا يعلوه التراب والبارود، سريراً بشرشف نظيف، شبشب حمّام بألوان زاهية، سقفاً، حيطاناً، طاولة وكرسيّاً، باباً ومفتاحاً، شموع أعياد ميلاد، مشاهدة مباراة كرة قدم، الجلوس في المقهى بلا خوف، الصلاة في مسجد أو كنيسة، الضحك، الضحك الذي لا يشبه البكاء، الذهاب إلى المدرسة، الرجوع من المدرسة، الشجار مع الجيران، مخالفة المرور، شرب الشاي بالمريمية، أكل البيتزا الساخنة، ركوب الحافلة، انتظار حبيبة القلب، نشر الغسيل على سطح البيت، العودة من السوق الأسبوعي...

"أنا"،
فقدتْ قلبها،
سرقه الذين يربّتون كتفها ويقبّلون جبينها.
أخذوه إلى مسابحهم المذهّبة.
قالوا لها لا تخافي، سنعيده إليك:
ساطعاً كالشمس،
نظيفاً من الخطايا.
سنطعمه الكافيار والشوكولاتة الفاخرة.

"أنا"،
أينما وقفتْ،
ليلاً أو
نهاراً،
يطعنها سجّان،
ويقطع رأسها قاتل ومرتزق.
كلّما وضعوا الأصفاد حولها،
ارتفعت أصوات المحلّلين وأصحاب النياشين.
الملوك،
والأمراء،
والشيوخ،
والرؤساء،
يحبّونها، لكنهم يسجنون
كلّ من يرفع رايتها
أو يرتدى كوفيتها.

"أنا"،
رمت حِملها،
كانت الأرض من طين تنتظر بذورها.
نبتتْ واخضرّتْ وأزهرت وطرحت ثمارها
على سهول مرويّة
بالدم.


* شاعر من ليبيا

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون