أبو مسلم البهلاني.. مئوية الشاعر العُماني

18 أكتوبر 2020
(أبو مسلم البهلاني)
+ الخط -

بعد قرن على رحيله، أقامت "الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء" في مسقط مساء أول أمس الجمعة ندوة افتراضية عبر منصّة زووم بعنوان "مئة عامٍ في حضور أبي مسلم البهلاني"، تناول خلالها الباحثون صالح بن أحمد البوسعيدي، ومحمد بن ناصر المحروقي، وناصر بن سيف السعدي، وعبد الله بن خميس الكندي، تجربة وسيرة الشاعر والفقيه العُماني (1857 – 1920).

في ورقته "أبو مسلم البهلاني عالماً شرعياً"، يعود البوسعيدي إلى نزوع المذهب الإباضي نحو التصوّف خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والذي بدأه جاعد بن خميس الخروضي وتتلمذ على يديه آخرون وصولاً إلى البهلاني الذي كان له دور كبير في هذا الجانب، وحيث نظم ما يقارب خمسة آلاف وخمسمئة بيت وجزء مهم تضمّن الابتهال وفيم الصوفية، إضافة إلى مؤلّفاته ومن أبرزها "النفحة المحمدية" و"النور المحمدي".

وأوضح أن هذا التوّجه سعى إلى تنقية الإرث الصوفي وعدم القبول بكلّ ما وصل منه، والبحث عن جوهره بحسب ما دوّنه رموزه من الفقهاء الأباضيين، والذين رفضوا الانعزال حتى أنهم اختاروا للتصوّف تسمية ثانية هي "علم السلوك"؛ السلوك إلى الرقي ومعرفة الله.

نظم ما يقارب خمسة آلاف وخمسمئة بيت تضمّنت ابتهالات وفيم اصوفية

"أبو مسلم البهلاني سياسياً" عنوان ورقة السعدي الذي تناول فيها أفكاره ومواقفه السياسية حيث لم يمارس دوراً أساسياً في الحياة العامة سوى منصب القضاء في زنجبار، ولكنه يقف عند رسالة كتبها البهلاني عام 1915 قدّم خلالها بعض الرؤى والأفكار التي تمنى أن تتحقق في عهد الإمام سالم بن راشد الخروصي، وأرسلت ضمن مجموعة من الرسائل التي بًعثت من زنجبار إلى عُمان، وفيها دعوة إلى القبائل العُمانية للالتفاف حول الخروصي.

وتطرّق إلى مضمون الرسالة التي احتوت ثلاث قضايا هي: الأساس الذي استمدت منه إمامة الخروصي شرعيته السياسية كما يراها البهلاني وفيه وصف للإمام بأوصاف ذات أبعاد دينية أو خصاله التي اعتبرها تؤهله للإمامة كونه خليفة الله وهو وصف يغاير ما تعوّدت عليه أدبيات المذهب الأباضي والثقافة السياسية العُمانية وخصّص نصف رسالته لهذا الأمر، وأساس علاقة الإمامة بالمجتمع أو الرعية بحسب تعبير تلك الفترة حيث يقول البهلاني بوجوب الطاعة للإمام الذي عليه أن يخاف الله فيهم، وهي رؤية لا تتجاوز النظام الأبوي حيث الحاكم عليه تربية وتوجيه أبنائه، ومصادر ومراجع دراسة الدين وسياسة الدنيا.

أما الكندي فلفت في ورقته "أبو مسلم البهلاني صحافياً"، إلى تأسيسه صحيفة "النجاح" عام 1911، أول صحيفة عربية عُمانية في زنجبار بشرق أفريقيا، كما تورد كتب "تاريخ الصحافة العربية" لـ فيليب دي طرازي و"الصحافة العربية: نشاتها وتطوّرها" لـ أديب مروة، ودراسة حول الصحافة الزنجبارية لـ ماريا حمداني وغيرها، مبيناً اشتغاله المبكر في الطباعة خاصة في مطبعة السطان برغش، حيث أشرف على هذا المشروع وعمل فيه، حيث كتب قصائد كتقديم للعديد من المؤلّفات التي طُبعت آنذاك، وكانت الطباعة في تلك المرحلة قاعدة العمل الصحافي.

أسّس صحيفة "النجاح" عام 1911؛ أول صحيفة عربية عُمانية في زنجبار بشرق أفريقيا

وأنشأ البهلاني بعد ذلك مطبعة "النجاح" سنة 1910 والتي أصدرت جريدة باسمها، بحسب الكندي، بعد طلبه الإعفاء من وظيفة القضاء وتفرّغه من أية وظيفة حكومية، ولا تتوفر اليوم سوى أعداد متفرقة من الجريدة التي تجاوزت المئة عدد واستمرت حتى عام 1914، وتتضمنت مقالاته آرائه في الحكم والمجتمع والتربية والتي ظهر بعضها في مؤلفات لاحقة له.

وتحدّث المحروقي في ورقته "البهلاني شاعراً" عن ارتباط صاحب كتاب "السؤالات" الشديد بالأحداث السياسية التي تعرّضت لها عُمان نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ونقل مستوى التعامل مع الشعر من النخبوية إلى مجال أوسع، في سعيه إلى بناء دولة حديثة، مشيراً إلى إقباله في سن باكرة نحو التعليم الذي أكسبله جملة قناعات راسخة منها ضرورة الثورة على السلطان الجائر، وأفضلية التقوى على النسب في ولاية المسلمين.

وأبرز أيضاً أن شعر البهلاني أداة من بين أدواته الأخرى في خدمة القضية الوطنية والتخلّص من هيمنة الاستعمار البريطاني، ومن الموالين له من العُمانيين، ما تتثبته قصائده التي حثّت على الحكم العادل في مواجهة الظلم والاستبداد والاحتلال في أسلوب يهدف إلى إثارة الهمم والحماسة والتذكير ببطولات وأمجاد العُمانيين في الماضي، ورسائله التي احتوت نصائح للإمام في كيفية إدارة الحكم وبناء العلاقات مع بقية الدول.

المساهمون