مع تنصيب "لجنة وطنية" مُكلَّفة بإعداد مشروع "قانون الفنّان" في الجزائر، يعود الحديث مُجدَّداً عن هذا القانون الذي ظلّ حبراً على ورق منذ أكثر من عقد، ومجرَّد "مشروعٍ" يُعلِن الوزراء المتعاقبون على قطاع الثقافة عن الشروع في التحضير له، من دون أن يعرف إلى النور طريقاً.
في 2011، بدا أن القانون، الذي يهدف إلى توفير الحماية الاجتماعية للمشتغلين في المجالات الفنية والثقافية، على وشك أن يُصبح حقيقة، مع استحداث هيئةٍ تابعة لوزارة الثقافة؛ هي "المجلس الوطني للفنون والآداب"، والذي أُسندت إليه مجموعةٌ من المهام، تتقدّمها "متابعةُ وضعية الفنّانين والمؤلّفين"، و"المصادَقة على المعايير الخاصّة بالاعتراف بصفة الفنّان"، وتسيير "البطاقة الوطنية للفنّانين". لكنَّ المشروع بقيَ حبيس الأدراج.
ظلّ الأمرُ على ما هو عليه حتى مطلع 2014؛ حين أعلنَت وزيرة الثقافة، حينها، خليدة تومي، عن بداية التطبيق الرسمي لـ"قانون الفنّان"، والذي أوضحت أنّه يشمل "جميع المُبدعين الذين يُقدّمون أعمالاً ثقافية ملموسة أو يُساهمون فيها"، وأنَّ تجسيده سيبدأ من خلال منح وثيقة رسمية (سُمّيت "بطاقة الفنّان") لأشخاصٍ تنطبق عليهم تلك الشروط.
ستُغادر تومي وزارة الثقافة من دون أنْ يُفرَج عن القانون الموعود، لتَخلفها نادية لعبيدي التي وجدت نفسها، مطلع 2015، تُشرف على تسليمِ أوّل "بطاقة فنّان"؛ وهو ما اعتبرته، حينها، "أوّلَ خطوةٍ في طريق إطلاق القانون الذي سيخدم الفنانين ويُحسّن وضعيّتهم الاجتماعية".
سبعةُ وزراء تعاقبوا على الملف دون تحقيق انفراجة فيه
تعثَّر المشروع مُجدَّداً، ليتّضح أنّ تلك الخطوةَ لم تكُن في الاتجاه الصحيح لطريق الألف ميل. غادرت لعبيدي منصبها الذي لم تمكث فيه أكثر من سنةٍ واحدة، وخلفها عز الدين ميهوبي الذي وعدَ باستكمال الملفّات التي تركها سابقوه عالقةً، وفي مقدّمتها "القانون الذي سيُوفّر اعترافاً قانونيّاً بالفنّانين".
حينها، كان قد تبيَّن أنّ البطاقة، التي سُلّمت لأكثر من ألف "فنّانٍ" حتّى ذلك الوقت، مُجرَّد ورقةٍ بيروقراطية لا تُسمِن ولا تُغني مِن جوع؛ إذْ لم تُوفّر لمن حصلوا عليها أيَّ شكلٍ من الحماية الاجتماعية، وهو ما دفع مشتغلين في مجالات ثقافية وفنّية يُعبّرون عن رفضهم التقدُّم لطلبها، مُشيرين إلى أنّها مُنحت لأشخاص لا تربطهم صلةٌ بالثقافة والفنون، بالموازاة مع تداوُل وسائل إعلامٍ محلّية أخباراً عن فتحِ مصالح الأمنِ تحقيقات حول بيع بطاقاتٍ مزوَّرة لأشخاص يستخدمونها في تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة سفر.
بحلول عام 2019 ووصول مريم مرداسي إلى وزارة الثقافة، كان عددُ البطاقات التي سلّمها "المجلس الوطني للفنون والآداب" قد تجاوَز عشرة آلاف، بينما تراجَع الحديثُ عن "قانون الفنّان"، لتحلَّ محلَّها تفاصيلُ تقنية حول طُرق معالجة ملفّات طالبي البطاقة، وعصرنتها من خلال إصدارها في نسخةٍ إلكترونية.
وفي 2021، قدّمت وزيرة الثقافة، حينها، مليكة بن دودة، للحكومة مشروعَ "مرسوم تنفيذي" يهدف إلى "التكفُّل بانشغالات الفنّانين والممثّلين في مجال علاقات العمل، من خلال ضمان حمايتهم العادلة، لا سيما بإخضاع كلّ علاقات عملهم إلى إبرام عقود عمل مسبقة تكون كتابيةً لمدّة غير محدّدة أو لمدّة محدّدة". غير أنّ المشروع لم يرَ النور هو الآخر.
سلّمت الوزارة أكثر من 13 ألف بطاقة فنّان حتى الآن
وفي الثامن مِن حزيران/ يونيو الماضي، وهو "اليوم الوطني للفنّان" في الجزائر، كشف مدير "دائرة الآداب وتطوير الفنون" في وزارة الثقافة، ميسوم لعروسي، في لقاءٍ مع إذاعة حكومية، عن تسليم أكثر من 13 ألف بطاقة فنّان (من بينها 554 بطاقة إلكترونية)، تتوزّع على قرابة 180 "مهنةً" في المجال الثقافي والفنّي تعترف بها وزارة العمل، مُضيفاً أنّ هذه الوثيقةَ تُوفّر لأصحابها امتيازات عدّة؛ مثل التأمين الصحّي، والتقاعد، والحصول على تمويلٍ لإنشاء مؤسّسات ثقافية. ولم يفوِّت لعروسي، خلال اللقاء، التبشيرَ بـ"اقتراب موعد إصدار قانون الفنّان".
يوم الخميس الماضي، وقد مرّ شهران على "البُشرى"، أعلنَت وزارة الثقافة عن تنصيب "اللجنة الوطنية المكلَّفة بإعداد مشروع قانون الفنّان"، وعُهد برئاستها إلى لعروسي نفسِه، بينما ضمّت في عضويتها مسؤولين في الوزارة وهيئاتٍ تابعة لها، وممثّلاً عن وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، وخبيراً قانونياً.
وخلال تنصيبها اللجنة، كرّرَت وزيرة الثقافة، صورية مولوجي، كلاماً قاله سابقوها، عن "اهتمام الدولة بتعزيز فاعلية هذه الفئة المهنية والإبداعية من المجتمع"، معتبرةً أنّه قد "حان الوقت، بل تأخّر، للشروع في وضع نصّ قانوني يُحدِّد حقوق الفنّان وواجباته. وأيا كانت طبيعة هذا النص، فإنّه سيسمح، لا محالة، بحلّ العديد من الإشكالات المرتبطة بالحياة الاجتماعية والمهنية للفنانين".
في كلمتها تلك، أعطت مولوجي انطباعاً بأن الأمر لا يتعلّق باستكمال مشروعٍ انطلق منذ سنوات من دون أن يتحقّق، بل بمشروعٍ جديد سيجري البدء فيه من الصفر؛ حيث أشارت إلى أنَّ الإعداد للقانون سيجري ضمن مرحلتَين، يتولّى "المجلس الوطني للفنون والآداب" المرحلةَ الأولى التي ستجري خلالها "مشاورات واستشارات واسعة لدى الفاعلين في المجال الفنّي على المستوى الوطني، في فترة زمنية محدَّدة بثلاثة أشهر"، بينما تُعرض مسوّدة الاقتراحات والتوصيات على "لجنة إعداد مشروع القانون" في المرحلة الثانية.
وفي المحصّلة، فإنَّ كلام الوزيرة يعني إعلاناً بالدخول في مسارٍ بيروقراطي طويل لا يَعلم أحدٌ متى ينتهي. والمؤكَّد ألّا أحد من المنتمين إلى الحقلِ الثقافي الجزائري يتمنّى أن يرى الوزيرةَ الحالية تُغادر منصبها قبل حدوث ذلك... على الأقلّ حتى لا يسمع وزير ثقافة آخر، في السنوات المقبلة، وهو يُبشّر بـ "قُرب إصدار قانون للفنّان"، ويُعلن عن تنصيب "لجنةٍ وطنية مكلّفةٍ بإعداده".