هل تنتهي المقاومة بقتل القادة؟
نورالدين خبابه
بدأت حملة شعواء ضد المقاومة الفلسطينية من طرف الغرب المتصهين، إذ يُعمل على قدم وساق لربطها بالإرهاب كما فعلوا من قبل معها ومع حركات أخرى، مع أنّ ثمّة فارقاً شاسعاً بين المقاومة والإرهاب، حيث لم نر (على سبيل المثال) حركة حماس تقوم بهجومات وعمليات قتل في أميركا أو فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا أو إيطاليا أو في السعودية والإمارات...
وساندت هذه الدعاية بعض الأنظمة المدعومة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، وبعض الحركات التي تلبس عباءة الدين تاريخيًا وحاضرًا. وسقط في الفخ (مع الأسف) من انطلت عليهم العاطفة والجهل بالتاريخ والدين في البداية، حيث ربطوا قتل الأطفال الفلسطينيين وتدمير البيوت والمساجد بفعل حركة حماس يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، ومنهم من حملهم تداعيات الهجوم لتحميل حماس المسؤولية، بل وصل بعض مشايخهم إلى إصدار فتاوى تحرّم الخروج عن الحكّام، مع أنّ تأسيس أنظمتهم بدأ بالخروج على من سبقوهم، ومنهم من قتل بعض أفراد عائلته وانقلب عليهم.
ولكن، من خلال حملة التضامن العالمية والتوعية المستمرة عبر وسائط مختلفة، بدأ سحر الصهاينة وطلاسمهم ينفك عن تلك العقول الباهتة، حيث رفض الأحرار السير وراء الرواية الصهيونية الأميركية، وبدأ الشارع ينتفض ويتحرّك، والأصوات تتعالى، حتى فُرضت الهدنة لعدّة أيام، وبدأ الأسرى الفلسطينيون يعودون، وكلّ الشرفاء يتطلعون إلى المزيد.
كشفت بعض وسائل الإعلام العربية المنصفة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال استقبال الأسرى، وتعرية الاحتلال بالصوت والصورة، وعرف المتابعون حجم المأساة التي تعرّض لها الفلسطينيون في السجون والزنازين الانفرادية، من ضرب مبرح، وتعذيب جسدي ونفسي، وتضليل وقطع للتواصل مع الأهالي، وتجويع وإهانة وإذلال وكسر للعظام، بل وقتل تحت التعذيب أيضا. وفي المقابل، عُومل المحتجزون الذين أخذتهم المقاومة بشكل مختلف كليًا، إلى درجة تسلّل إلى الشعور بأنّ هناك قصة حبّ جمعت الرهائن مع رجال المقاومة، من خلال ما أظهرته الابتسامات ونظرات الإعجاب والتحيّات... وقد وصل الأمر للحفاظ على حياة كلب رافق إحدى الأسيرات. فهل من يحرص على حياة كلب إسرائيلي لا تهمه أرواح الأطفال الفلسطينيين؟
بدأ سحر الصهاينة وطلاسمهم ينفك عن تلك العقول الباهتة، حيث رفض الأحرار السير وراء الرواية الصهيونية الأميركية
ولكن سرعان ما عاد الغدر من خلال القصف والدمار الشامل والعنصرية والعتو في الأرض الذي فاق الحدود، بعد أن انفضّت الهدنة وبدأت الحرب النفسية بالتهديد باستخدام الأسلحة النووية وإغراق الأنفاق بمياه البحر، واستهداف قيادة المقاومة بالاغتيال، وتجميد حسابات بنكية، ومنع من التأشيرة ونزع للجنسية والطرد للمناصرين للقضية وسجنهم وترحيلهم... وكأنّ فرنسا وجندها عندما قبضت على الأمير عبد القادر الجزائري، ورحلوه إلى دمشق، وأحرقوا الجزائريين في الأفران، واستخدموا التجارب النووية في الجنوب الجزائري... ظنّوا أنهم بأفعالهم هذه سيقضون على المقاومة، لتبقى الجزائر تحت الاحتلال.
ألم يقم الجيش الفرنسي بقتل أكثر من أربعين ألف جزائري في سطيف وقالمة وخراطة وغيرها في الأربعينيات؟ وأكثر من مليون جزائري في حرب التحرير بين سنة 1954 و1962؟ ألم يسجن العلماء مثل الإبراهيمي، ويُقلى العربي التبسي في الزيت، ولا يعثر له عن قبر إلى اليوم؟ ألم تُحرق قرى بأكملها بعد كلّ عملية كان يقوم بها المجاهدون؟ ألم تخلط مواد التغذية التي كان يجدها العسكر في البيوت وتكسّر الأواني بهمجية؟ ألم تغتصب النساء ويقتل الأطفال؟ ألم يُعتدَ على دور العبادة؟
لقد هجرت فرنسا الجزائريين ونفتهم إلى كاليدونيا الجديدة، وصادرت أراضيهم، واغتالت قيادات في الثورة، مثل مصطفى بن بولعيد بعد أن فخخوا له جهاز اتصال، وأعدموا العربي بن مهيدي، ومارسوا التعذيب بوحشية واختطفوا الطائرة التي كانت تقل قادة الثورة، أحمد بن بلة ومحمد بوضياف وخيضر وآيت أحمد؟ ورمت الجزائريين في نهر السان شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1961...
ولكن، في النهاية وقعوا اتفاقيات إيفيان في شهر مارس/ آذار سنة 1962 مع الحكومة المؤقتة، واختارت الجزائر أنّ يكون 5 يوليو/ تموز عيدًا لاستقلالها بعد أن كان يومًا احتلت فيه فرنسا الجزائر، وها هي اليوم تُقام الصلوات في آلاف المساجد في أرض فرنسا، ويعتنق بعض الفرنسيين الإسلام أيضا.