الجزائر... تجدّد الصراع على السلطة
نورالدين خبابه
أطلّ الحراك الشعبي في الجزائر في فبراير/ شباط 2019، كنتيجة منطقية لتراكمات سلبية وترسبّات على أصعدة مختلفة، منها التسيّب والتردّد والتناقض في أجهزة الدولة. وهو أمر بدا واضحاً من خلال عدّة قرارات اتخذتها السلطة، وأدّت في مجملها إلى الانفجار الشعبي الذي كان مطلبه بدايةً، توقيف العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يرتفع سقف المطالب بمجرّد إعلان "استقالته".
كان الحراك سلمياً ونموذجياً، وثمّن المخلصون في الجزائر، وكلّ المحبين لشعبها، الموقف الذي اتخذه قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح، والذي صرّح وقتها، بأنّه لن تسيل قطرة دم واحدة ما دام هو من يقرّر، ما شجّع الكثيرين على الالتحاق بالحراك، وطمأن عامة الشعب، بأنّ قيادة الجيش حامية الحراك ومواكبة لمطالب الشعب.
ازداد زخم الحراك، وتوّسعت دائرة النقاش في الساحات العامة، وتراجعت الهجرة غير النظامية التي كانت قد تسارعت قبل تلك السنوات، وبدأ الشباب يستعيدون الأمل وظهرت مبادرات مختلفة، فيما كلّ الصادقون ينشدون جزائر النهضة، جزائر الجميع.
لكن ثمة صراعات ظهرت، من خلال الأدلجة التي استُعملت في الحراك، لها خلفيات تمتدّ إلى ما قبل ثورة التحرير، وتمثّلت باجترار شعارات تطعن في هوية الشعب المشتركة، وتثير مواضيع ليست من أولويات الشعب، وتمّ استخدام رايات ساهمت في الاحتقان، وبرزت شعارات معادية للجيش، لها علاقة بأرضية مؤتمر الصومام الذي انعقد أثناء الثورة سنة 1956 بخصوص ما جاء به، المناضل والناشط السياسي عبان رمضان، حول أولوية السياسي على العسكري، والتي كانت سبباً في إعدامه بالمغرب من طرف الباءات الثلاث، كريم بلقاسم، بوصوف، بن طوبال.
وكنّا قد نشرنا في كتابنا "المصالحة الجزائرية" في سنة 2014، وثائق سرّية للغاية تابعة للمخابرات السويسرية، تفيد بأنّ المخابرات الأميركية، ومعها الفرنسية، كانتا تسعيان لإيصال شخصيات إلى سدّة الحكم، لها توجه غربي، أو في خدمة الغرب، وفي أحسن الظروف شخصيات ذات توّجه إسلامي، لا تقدّم ولا تؤّخر.
وأدّت تلك الصراعات حول السلطة إلى إصدار قرار بإقالة هيئة الأركان للتحكّم في مسار الثورة، مما دفع بهواري بومدين وأحمد بن بلة إلى مواجهة تلك المجموعة، وتأسّست بناء على ذلك، جمهورية لم تلب طموحات الشعب، لتبقى الصراعات متجذرة حتى تاريخ هذا اليوم. وتكفي الإشارة إلى استقدام محمد بوضياف وعلي هارون في التسعينيات، بكلّ ما لهما من علاقة بالصراعات القديمة تلك.
واليوم، ومع إيصال الرئيس، عبد المجيد تبّون، إلى سدّة الحكم، ووفاة قائد الأركان في ظروف غامضة طَرحت العديد من الاستفهامات، وعودة وزير الدفاع السابق، خالد نزار، الذي كان هارباً في إسبانيا بعد الحكم عليه بـ 20 سنة، لاسيما وأنّه أطلق تصريحات هدّد فيها قائد الأركان وأخرج قائد المخابرات من السجن محمد مدين، المدعو توفيق، مقابل إدخال جنرالات آخرين إلى الزنازين، ممن كانوا محسوبين على جناح قائد الأركان السابق أحمد قايد صالح... ليتصدّع الحراك الشعبي في النهاية ويخيب أمل الكثيرين.
الآن، وبعد بروز تسريبات جديدة صوتية، ومنها ما يخصّ رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزة، حول تقرير قدّمته لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبّون، حول الوضع الاجتماعي في الجزائر، ونشر مقالة على وكالة الأنباء الجزائرية تهجوها وتشير إلى أيادٍ تقف خلفها... ها نحن نعود إلى نقطة الصفر، لاسيما، وأنّ التسريب الصوتي الذي نُشِرَ يهدّد المدير العام لوكالة الأنباء الجزائرية، ويتوّعده بخلع ملابسه في ساحة الشهداء، بالاستناد إلى قبعة الجيش.
كلّما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، طفت إلى السطح تلك الصراعات القديمة حول هوية الشعب والثورة والفساد والابتزاز... وها هي مواقع التواصل تُستخدم الآن في الحرب القذرة لتُساق فئات من الشعب لمساندة هذا والهجوم على ذاك، بعيداً عن النقاش الجاد بخصوص مشروع مجتمع ينهض بالجزائر، ويقضي نهائياً على تلك الصراعات التي عطلت البلاد.