هزليات السياسة الأسدية (21)

15 يناير 2020
+ الخط -
بتتزوجيني يا ست مايا؟
تصاعدتْ، خلالَ جلسة "الإمتاع والمؤانسة" الأخيرة، الحالةُ الدرامية الخاصة بسيرة الحجي نادر شَفَلَّح أجير المطعم الذي أصبح مليارديراً وعضواً في مجلس الشعب.

كان الأستاذ كمال قد أوصلنا في سيرة شَفَلَّح إلى منطقة حساسة، وهي أن ثمة امرأة جميلة وأنيقة وذات ملامح أرستقراطية زارته في مطعمه الشعبي الكائن في "عَبَّارة الأوقاف" بحلب، واصطحبته بسيارتها إلى مطعم الفرسان ليتناولا، هناك، كأساً من الويسكي، ويتفاهما على صفقة تجارية تقضي بافتتاح مطعم فخم على الأتوستراد الدولي (حلب- دمشق)، وهو اعتذر عن الويسكي وطلب كأساً من الشاي، وأثناء الجلسة شرحت له "مايا" أن مهنة المطاعم تدر على الإنسان ذهباً من عيار 14 قيراطاً إذا كان متوسط الذكاء، وأما إذا كان ذكياً فتدر عليه ذهباً من نوع السبائك 24 قيراطاً.. صاحب المطعم الذكي، برأيها، هو من يختار زبائنه من أصحاب الدخل الكبير الذين يربحون المال بلا جهد، (ومَنْ ربح البلادَ بغير حربٍ.. يهونُ عليه تسليمُ البلاد).

قال أبو محمد: بصراحة أنا صار عندي فضول لأعرف أيش صار مع هالمسطول.. يخرب بيته، مبين إنه السعد ماشي قدامه ووراه.


قال كمال: نعم. بالفعل هو رجل محظوظ. واللي صار معه إنُّه السيدة مايا كانتْ عرفانة أيشْ بدها، وماشية باتجاهْ هدفْها بشكلْ واضحْ.

بطل حكايتْنا الحجي شَفَلَّح فهم من الست مايا إنها تزوجت ابن عمها لما كان في السنة الأخيرة بكلية الحقوق، وتخرج بمجموع عالي، وبعد سنتين من التخرج سلموه وظيفة كبيرة في الدولة، وكان رجل آدمي وطيب القلب، ومشكلته الوحيدة إنه كانْ إنسانْ شريفْ.. منشان هيك عاشوا مع بعضهم شي خمس سنين وهوي بيقبض راتبه بأول الشهر، وبيوزعه على الدائنين، وبيرجع بيستلف خلال الشهر، وكان البيت اللي ساكنين فيه بالأجرة، وصاحب البيت كل يوم بيطلب منهم يخلوا البيت لأنه بده يزوج ابنه، وكل سنة كان يطلب رفع أجرة، ويجيب لجنة قانونية منشان التخمين.. وهيي، الست مايا، حاولت كتير مع زوجها إنه يفتح إيده ويقبض رشاوي سعره بسعر المدراء التانيين اللي كلياتهم صارت عندهم فيلات، وسيارات، وأرصدة في البنك، وهوي كان يزجرها، وكان يزجر الأشخاص اللي يعرضوا عليه الرشاوى، ويهددهم بأنه راح يبلغ عنهم النيابة العامة.. وكان من حسن حظ مايا إنه الزواج ما أسفرْ عن خلفة أولادْ، فحطت براسها مخططْ رهيبْ ونفذته بشكل هادئ ومدروس.

قال أبو إبراهيم: هلق دخلنا بالجد. وأشو هوي بقى هالمخطط؟

قال كمال: زوج الست مايا كان يحبها كتيرْ، ويغار عليها، وما يستضيف في بيته أي صديق حليوة وبيتمتع بشبوبية جذابة.. كان يزورهم محامي ختيار هوي وامرأته العجوز، عرفت مايا إنه هالمحامي بيدخل له مصاري كتير لأنه بيقطّعْ دعاوي..

قال أبو جهاد: شلون يعني بيقطع دعاوي؟

قال كمال: يعني لما بيستلم قضية ما بيمشي فيها بالطرق القانونية اللي بدها كتابة مرافعات ومطالعة القوانين والاجتهادات.. وإنما إلُه علاقات مع المسؤولين.. يعني مثلاً، إذا هالدعوى معترسة عند أبو إبراهيم، بيروح لعند أبو إبراهيم وبيدفع له رشوة، وأبو إبراهيم بيمشيها، ووين ما وقفت بيروح لعند المسؤول عنها، وبيدفع وبيمشيها.. وإذا القضية فيها خمس ملايين مثلاً، بيدفع نص مليون رشاوي، وبياخد هوي نص مليون، وبياخد صاحب الدعوة أربع ملايين.. المهم إنه مايا بلشت تعمل لهالمحامي الختيار حركات أنثوية من دون ما ينتبه زوجها أو تنتبه زوجة المحامي العجوز.. وبعد فترة من الزمن تطلقت من زوجها، وتزوجته.

قال أبو محمد: شي متل الكدب.

قال كمال: فعلاً. وهيي حكت سيرتها للحجي شَفَلَّح بكل بساطة ووضوح، وقالت له: لا تخاف، أنا ما عَمْ إحكي لك هالحكي لحتى أتزوجك. عم إحكي لك حتى توثق فيني. ضحك شفلح وقال لها: شلون بدي أتزوجك خيتو وإنتي متزوجة المحامي؟ فضحكت بخلاعة وقالت له: تعيش إنته، المحامي مات بعدما تجوزته بست أشهر. لك خيو صدقني معه حق إنه يموت، هوي ختيار ونفسه خضرا، وأنا شوفة عينك، مرا كويسة، ما ضَايَنْ.. ألله يرحمه على كل حال.

قال أبو جهاد: المهم بالأخير مايا وشَفَلَّح فتحوا مطعم ع الطريق الدولي؟

قال كمال: إذا بدكم الصراحة الحجي شَفَلَّح، المجدوب خلقة الله، انجدب بزيادة، وبنطرونه اللي كان زاحل شوي زَحَلْ كتيرْ، وصار كل شوي يمسك القشاط تبع البنطرون ويشدّه، وصار كيانُه كله متعلق بالسيدة مايا، ولما هيي حكت عن فكرة الشراكة بينه وبينها وقالت له (إشو رأيك؟)

قال لها: الفكرة فكرتك.. إنتي خيتو اشرحي لي شلون بتحبي نعملها وأنا جاهز. قالت له: جوزي المحامي كان عنده مزرعة في ريف المهندسين بمنطقة "أورم الصغرى"، الورثة باعوها وطلع لي منها ست ملايين، حتى ما يفقدوا المصاري قيمتهم رحت اشتريت فيهن فيلا دوبلكس ع طريق حلب دمشق، على إيدك اليمين قبلما توصل لقرية "الزربة"، وخلال هالفترة أجاني زباين كتير وعرضوا علي يشتروها مني وأنا رفضت. لأني إذا بعتها المصاري بتروح، أما إذا بستثمرها بعيش من المصاري اللي راح تجيني من الشغل اللي بدي أعمله فيها.. والفيلا بيبقى تمنها فيها إذا ما زاد.. بقى إش رأيك نحول هالفيلا لمطعم، ومنخلي كل الأغنياء في المنطقة يجوا لعندنا ويدفعوا مصاري؟

قال لها: موافق موافق. من بكرة الصبح منعمل الشراكة، واللي إنتي بتريديه إنتي بيصير.. بس أنا بدي شغلة.. يا ريت تحققي لي ياها..

قالت له: تفضل. قال لها: بتتزوجيني؟ فضحكت ضحكة مشفترة وقالت له: ولي عليك شقدك طشنة. خبط لزق بدك تتزوجني؟ أنا مستغربة شلون صار معك مصاري وفتحت مطعم. مخك مو تجاري بالمرة. قال لها: طيب ليش؟ قالت له: إذا أنا تزوجتك كيف بدي أحسن أجذب الزباين الدسمين وأخليهم يجوا لعنا ويبظُّوا مصاري؟

(للقصة تتمة)...
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...