موجة حر قاتلة

16 يوليو 2023
+ الخط -

وصل الخبر أسماع الجميع، موجة حر خانقة قادمة وستبقى في ضيافتنا لمدة قد تتجاوز أسبوعاً بكامله. الخبر مقلق، لكن السخرية النابعة من قلة الحيلة هي الرد الوحيد على الأزمة القادمة، والحقيقة هي واحدة من أزمات أكثر تعقيداً وأذى، والمؤسف أن الحلول معدومة.

في الحافلة المعدنية التي تحولت لفرن لا تستطيع لمس أطرافه، يصرخ رجل بالسائق طالباً منه التوقف، برفقته امرأة سبعينية، يبدو أنه قد أغمي عليها، تتوقف الحافلة، صار كل ما بحوزة الركاب من ماء بين يدي ابنها، شربت القليل القليل، بللوا وجهها ورقبتها ويديها بالماء، لكن لا علامات لأي استجابة. صرّح الابن بأن أمه مصابة بالسكري، ويبدو أن الحالة سببها انخفاض شديد في الضغط بسبب الجفاف، ناولها أحدهم حبة سكاكر، لكنها كانت في دنيا أخرى، عاجزة حتى عن الاحتفاظ بحبة السكاكر في فمها، تركناها شبه ملقية على الرصيف مع ابنها ومضينا كل إلى طريقه.

تضج وسائل التواصل بمعلومات ونصائح لتجاوز هذه الهجمة المهددة للحياة، لكن النصائح مضحكة جداً، لا كهرباء لتشغيل المكيفات يا صاحب النصيحة المهمة، والتي تقول فلتجتمع العائلة في مكان واحد، ويشغّل المكيف حينها لتوفير الطاقة، وتخفيف الأحمال عن الشبكة!

عن أية شبكة تتحدث يا معلّم؟ شبكة فارغة تترجى عبوراً شبحياً للطاقة علّها تشعر بجدوى وجودها، والأكثر مدعاة للألم، عن أي عائلة تتحدث يا أنت؟ ألا تدري بأن العائلات قد تبخرت بقدرة قادر، وإن تبقى بعض أفراد منها يصعب عليهم التجمع.

 يبحث الجميع عن حلول لمداراة الوضع الصعب، يتسلح سائقو سيارات الأجرة ووسائط النقل العامة بمناشف مبللة بالماء يضعونها حول رقابهم الجافة والمتعرّقة

في أثناء سيرها تلتقط سيدة عبوات الكولا الفارغة، لا تبدو من نابشي القمامة، تختار نوعاً واحداً من البقايا وتضعه في كيس صغير ونظيف، قالتها علناً: "أجمع العبوات لنشرب منها، الكهرباء مفقودة، وخلال قدومها الشحيح لدقائق قد تبرد هذه العبوات ولو قليلاً، أما العبوات الكبيرة فلا تبرد أبداً، عدا عن أنها شخصية، لكل منا عبوة يشربها ويعيد ملأها بنفسه دون تنظيفها، ثم إن استهلاكنا للماء قد ازداد، ومضطرون لتعبئته بألف عبوة، تضحك تلك السيدة وتقول بسخرية مرة: إنها فرصة لملء الثلاجة، حيث لا شيء فيها سوى الخبز!".

يبحث الجميع عن حلول لمداراة الوضع الصعب، يتسلح سائقو سيارات الأجرة ووسائط النقل العامة بمناشف مبللة بالماء يضعونها حول رقابهم الجافة والمتعرّقة. تتدلى من مرآة سيارة أحدهم عبوة ماء بلاستيكية ملفوفة ببيت من قماش الخيش، تبدو العبوة كقلادة كبيرة وغريبة وهي تتأرجح بفعل اهتزاز السيارة.

يسعى الجميع بأي وسيلة للحفاظ على البرودة مهما كانت ضئيلة، لكن الخوف الأكبر يكمن في قلوب النساء، ترعبهن فكرة واحدة تحتل جلّ مساحة التفكير، ألا يعود الأزواج من عملهم، ألا يجبرهم الحر على ترك البسطات بذريعة الحرارة المرتفعة أو الاعتذار عن تنفيذ بعض أعمال العتالة أو التعزيل أو صيانة وتصليح السيارات في العراء. تلاحق سيدة زوجها قائلة: "كلما شعرت بالحر اغمر قبعتك بالماء البارد وضعها على رأسك". وتتابع محذرة زوجها من استرخائه: "سيتخلى عنك المعلّم إن كررت غيابك عن العمل لأي سبب كان!". وتنصح أم ابنها الذي استلم عمله الجديد حديثاً على مقلى الفلافل، تنصحه بوضع كمامة مبللة بالماء على فمه من أجل تخفيف العطش الناجم عن توهج الزيت وحماوته، تنصحه بلبس قميص من قماش قطني أثناء القلي، لأن روب العمل داكن اللون ومصنوع من قماش النايلون الحار، تتحايل النساء بأسى على اضطرار الرجال والأبناء للذهاب إلى العمل، رغم الارتفاع الحار والخطير لدرجات الحرارة في موجة حر تكاد تكون قاتلة، قاتلة لأن كل مقومات السلامة مفقودة.

13 تموز 2023

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.

مدونات أخرى