منصات الإعلام الإلكتروني الفلسطينية ومعركة إحياء الوعي الجماهيري
مع تكاثف الأخبار التي ترد من فلسطين، وتطور جولة التصعيد الحالية التي انطلقت شرارتها من القدس والمسجد الأقصى حتى انتقلت لسائر المناطق الفلسطينية وخاصة قطاع غزة، عاد النقاش للتجدد حول علاقة الإعلام الاجتماعي الإلكتروني مع السياسة والوعي الجماهيري وتشكيل الرأي العالمي على وجه الخصوص.
فكما نعلم فالإعلام هو إحدى الأدوات الأساسية لصناع القرار، لما له من أدوار ووظائف مختلفة ومتنقلة من المراقب للمشارك النشط، من الموجه للمحفز، وبالتالي، تستحيل حيازة دعم الجماهير والرأي العام دون امتلاك إعلام قوي.
وهذه الأدوار تتلاءم مع اتجاهات الإعلام الإلكتروني في جولة التصعيد الحالية، التي انتظم بها الإعلام الإلكتروني المساند للقضية الفلسطينية ليغدو أشبه بحملة إعلامية شاملة وشعبية وواسعة الإطار تستهدف التعريف بما يجري على الأرض وكشف الوجه الحقيقي للمحتل الإسرائيلي وتوثيق الصلة بين الجهود الشعبية وخطوات المقاومة وردود فعل الجمهور الداخلي والدولي عليها.
من بين الوظائف التي عمل عليها الإعلام الإلكتروني، هي دوره كرقيب، ميدانياً تم رصد الانتهاكات وجرائم جيش الاحتلال والمستوطنين، وتوثيق اعتداءات المستوطنين على سكان حي الشيخ جراح بحراسة ودعم من قوات الاحتلال، انتشرت الدعوات للفلسطينيين بالاعتصام في المسجد الأقصى، وتجاهل الخطاب الإعلامي الصهيوني الداعي للتهدئة أو تدارس الخيارات، كما تم تداول التحذيرات بأن ما ينشره الاحتلال حول التراجع عن اقتحام الأقصى هو مجرد مناورة كاذبة.
ما زال الفلسطينيون بحاجة الى مزيد من التحسين لمخاطبة لغات العالم، المدعوم بنصوص القانون والخرائط والتوضيحات، والنشر والتغريد المكثف باللغة الإنكليزية
الإعلام الإلكتروني سياسياً لعب دور الضاغط، فهو أداة ضغط على الصفوف السياسية الفلسطينية الأولى، على الفصائل والاتجاهات السياسية، وعلى رأسها حماس والسلطة الفلسطينية لبذل مزيد من الجهود للحد من استفزازات الاحتلال وتجاوزاته في القدس، فقد تم تناقل دعوات المقاومة للتصعيد، ودعوات السلطة والفصائل للتدخل، وحتى دعوات للدول العربية والإسلامية لأداء أدوار فعالة وحماية المسجد الأقصى من المستوطنين، مع التأكيد على أن الخطاب الإعلامي الفلسطيني فرّق بين النظام العربي والجمهور العربي.
الإعلام الإلكتروني لعب دور الكاشف، في الجانب الفلسطيني أظهر نوعاً من الالتفاف حول خيار المقاومة، وتراجعاً لشعبية القيادة الرسمية السياسية والنواب العرب في الكنيست الإسرائيلي وحتى الأداء الرسمي العربي بشكل عام، كما أظهر هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي انهارت من الخوف فور سماع دوي صفارات الإنذار وأصوات الصواريخ والمكوث في الملاجئ.
كما تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لقياس اتجاهات الجمهور، تماماً مثل الاستبانات، حيث أضحى بإمكان الجمهور ممارسة الرصد والتعليق على المادة الإعلامية المؤيدة والمضادة التي يروج لها الإسرائيلي وأعوانه، بل والفلسطيني بمختلف اتجاهاته وألوانه.
أما الاستخدام الأكثر وعياً للإعلام الإلكتروني فقد كان باعتباره أداة تثقيف للجمهور، فخصائصه التي تتسم باللامركزية واستخدام الوسائط المتعددة والتفاعلية، قد فتحت المجال أمام إمكانية استخدامه كأداة للتثقيف الجماهيري. على سبيل المثال، استخدام الحركات السياسية الوطنية، ونشطاء المجتمع المدني والصحافيين مواقع يوتيوب وفيسبوك وتويتر وغيرها من المواقع التي تنشر مقاطع الفيديو، على نطاق واسع لتبادل مقاطع الفيديو الرامية إلى التوعية المدنية وتوعية الجمهور بما يحدث في فلسطين والقدس وحي الشيخ جراح وغزة، والتاريخ الفلسطيني، والوضع الإنساني، وغيرها.
وفي هذه النقطة لا تنطلق أهمية الرسالة من الكمية، أو التكرار، أو الأداة بقدر المصداقية والارتباط الفكري والعاطفي لها، ولهذا نجد أن الإعلام الإلكتروني المساند للفلسطينيين نجح إلى حدٍ بعيد في تثبيت موقعه، والالتفاف على قيود الإعلام الرسمي والحكومي والعربي والعالمي المسيس والموجه ضد الرواية الفلسطينية، ومثال ذلك، استخدام الحركات الوطنية وعلى رأسها حركة حماس لحساباتها الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعية (حساب أبو عبيدة موقع تويتر وقناة تليغرام) للإعلان عن المستجدات على الأرض وإطلاق البيانات الصحافية، والتي يرصد من خلالها المزاج العام للشارع الفلسطيني والرأي العام العربي والإسلامي عبر استقراء التعليقات والرد عليها.
هذه الاستخدامات والأمثلة عليها تحيلنا إلى السؤال؛ هل نجح الفلسطينيون في استخدام الإعلام الإلكتروني لنصرة قضيتهم، محلياً وعربياً ودولياً؟ وهل استنفدوا جميع أدوات الإعلام الإلكتروني والاجتماعي لإيصال رسالتهم؟ كمتابع ومدقق أستطيع القول إن الفلسطينيين أنجزوا وبنجاح هبةً إلكترونية بمثل قوة هبتهم الشعبية، طرقوا باب الخزان فلسطينياً وعربياً، واستطاعوا حشد الطاقات والجهود لأجل قضيتهم، تم استغلال أحداث حي الشيخ جراح بشكلٍ حثيث للتوعية بتاريخ النكبة الفلسطينية بأكمله، البث المتواتر على مختلف تطبيقات التواصل والإعلام الإلكتروني أحدث حراكاً في الجمهور العربي، وتحفيزاً للذاكرة النضالية للفلسطينيين أنفسهم، المسافة بين الانقسام والانقسام اختفت، والمسافة بين الفلسطيني والعربي انمحت، تضاءل المنكرون للحق الفلسطيني وصدحت الأصوات بالتأييد والدعاء، مع أهمية الملاحظة أن شكل التضامن اختلف ويختلف تماماً عما كان عليه الحال في السنوات السابقة وخاصةً سني انتفاضة الأقصى، بشكلٍ عام أضحى التفاعل الإلكتروني هو الأكثر بروزاً اليوم مقارنةً بالتفاعل على أرض الشارع حتى في ما يخص مختلف القضايا المحلية والإقليمية، لذا فهذا الحشد العربي والتآزر الفلسطيني هو نجاحٌ لا شك فيه.
أما على الصعيد العالمي فما زال الفلسطينيون بحاجة الى مزيد من التحسين لمخاطبة لغات العالم، المدعوم بنصوص القانون والخرائط والتوضيحات، والنشر والتغريد المكثف باللغة الإنكليزية، ورغم محاولات سد النقص من خلال الصور والمقاطع ومشاركة تأييد المشاهير الأجانب إلا أن توظيف الإعلام الإلكتروني لإيصال الرسالة عالمياً ما زال بحاجة للتطوير والتحسين.
وفي ما يتعلق بأدوات الإعلام الإلكتروني والاجتماعي، فكلٌ في ميدانه ومجاله، رغم تكدس النشطاء في فيسبوك وإنستغرام مقارنةً بالمنصات الأخرى، عموماً لا يعمل الفلسطينيون بمنهجية، ربما لذلك يتراجعون ويخسرون مكتسباتهم لاحقاً رغم امتلاكهم مفاتيح قوية جداً في رسالتهم وقضيتهم، لكنهم عاطفيون وآنيون، ولا يعملون بتخطيطٍ موحد ولا يحافظون على مواقعهم، بل يكتفون بما هو متوفر وسريع، لهذا فإنهم لا يتبحرون في أدوات الإعلام الإلكتروني ووظائفه وخصائصه بشكلٍ مهني وكافٍ.
خلاصة القول، على الرغم من إثارة وسائل الإعلام الإلكترونية للعديد من التحديات والمعضلات الجديدة التي تتعلق بالمصداقية وثقة الناس، إلا أنها بوجه عام تمتلك إمكانيات كبيرة في سبيل شحذ الرأي العام للتوعية بالقضية الفلسطينية وحقيقة ما يجري هناك، وتتعاظم هذه الإمكانيات مع زيادة القدرة على الوصول إلى أدوات ووظائف هذه الوسائل، وزيادة الطرق المبتكرة في توظيف جميع الإمكانات والتقنيات الفنية والسيكولوجية بهدف توحيد الرأي العام الفلسطيني أولاً، والتعاضد مع الرأي العام العربي ثانياً، واستمالة الرأي العام الدولي ثالثاً.. وما ذلك بصعبٍ ولا مستحيل.