منازل غزة... لا أبواب ولا نوافذ
"منازل غزة دون أبواب ولا نوافذ"، هذا هو عنوان تقرير أصدره المجلس النرويجي للاجئين. قد يبدو العنوان للوهلة الأولى مبالغاً فيه أو غير منطقي، أو أنه وصف لمناطق منكوبة غير مؤهلة للسكن، غير أنّ ذلك هو الوصف الأنسب لآلاف "البيوت" التي يسكنها العديد من العائلات الغزية.
يأتي فصل الشتاء ليزيد من معاناة الأهالي، فهذا الفصل بمثابة الكابوس، بل وأصبح ضيفًا ثقيلًا يصعب الترحيب به، لأنه، وفور نزول زخات المطر، تبدأ المياه بالتسرّب من الأسقف، لتغرِق معها أرضية أكثر 120 ألف منزل في القطاع، ما يجعل تلك العائلات في مواجهة قساوة برد الشتاء في ملاجئ غير محمية، وهو الرقم الذي ورد في تقرير للمجلس النرويجي للاجئين، والذي قال أيضاً إنّ ما يقرب من 2000 منزل لا تزال مدمرة بعد تصعيد إسرائيلي متعدّد الملامح على قطاع غزة خلال العقد الماضي. هذا الواقع دفع العديد من سكان غزة الذين دُمرت منازلهم إلى السكن مع أقاربهم، ما أدى إلى زيادة الاكتظاظ وارتفاع نسب الإصابة بالأمراض.
في الجهة المقابلة، ضاعفت الفيضانات الغزيرة من المعاناة، مغرقة معها العديد من البيوت الهشة أصلاً. كما أنّ قيام إسرائيل ببناء سدود بالقرب من السياج الحدودي لغزة أدى إلى تسرّب كميات كبيرة من المياه وغمر المنازل والشوارع والمزارع في خان يونس، ليتكرّر المشهد في كلّ سنة، حيث يطلق الناس نداءات استغاثة، تلبيها طواقم الدفاع المدني والبلدية محاولة إنقاذ ما يجب إنقاذه، فلا يكتفي الاحتلال بحصار قطاع غزة منذ 16 عاماً، بل إنه لا يتردّد باستغلال أي فرصة لتنغيص حياة الغزيين وتأزيم أوضاع الناس المرهقين بين "فكي كماشة".
وداخل منزل دون أدنى متطلبات الحياة، تعيش العديد من العائلات الفقيرة في غزة، برفقة نار الحطب الضعيفة، والتي لا تكفي حتى لتدفئة الأطفال الصغار بأجسادهم النحيلة، مرتدين بعض الملابس البالية وأحذية ممزقة، لم تقدر على حمايتهم من زمهرير الشتاء القاسي.
منازل غزة المهدّدة بالانهيار لم تجد من يرممها ويلملم أحجارها، حيث تواجه عملية إعادة الإعمار تحديات كبيرة، أبرزها القيود الإسرائيلية المشدّدة على حركة وصول مواد البناء، إضافة إلى عدم إيفاء المانحين بكلّ ما عليهم من التزامات، لتتقلص آمال سكان غزة في أن يحالفهم الحظ في الحصول على فرصة لترميم منازلهم المتهالكة، والتي أكل الدهر عليها وشرب، في ظلّ عدم قدرة الكثير من تلك الأسر الفقيرة على تحسين مستواها المعيشي وترميم منازلها بنفسها.
إن لم تسقط منازلهم فوق رؤوسهم بسبب المنخفضات الجوية أو إجراءات الاحتلال بإغراق الأراضي، قد تسقط بقصف ما!
تستمر بذلك حكاية فصل الشتاء في غزة المغمورة بالآلام وسط تهميش ولامبالاة بالمعاناة التي يتخبّط فيها سكان غزة، ليس في فصل الشتاء فقط، بل أيضاً في فصل الصيف حيث درجات الحرارة العالية تنافس برودة الشتاء في الفتك بالغزيين. ومع انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 12 ساعة في اليوم، حيث لا يزال نقص الكهرباء مصدر قلق كبير لأكثر من مليوني شخص في غزة، يصبح العيش بمثابة كابوس متكرّر. وفي هذا السياق، يقول تقرير المجلس النرويجي للاجئين إنّ ارتفاع السعر الرسمي لزيت التدفئة بمقدار 0.21 دولار أميركي لليتر الواحد خلال الاثني عشر شهرا الماضية، جعل المصدر الحيوي للطاقة بعيدا عن متناول معظم الناس داخل القطاع.
وبين برد قارس ومنزل مهدّد بالسقوط، لا تزال معاناة العائلات في غزة مستمرة حتى يومنا هذا، فيما يأمل أهالي غزة مع بداية كلّ صباح جديد أن تعود حياتهم إلى سابق عهدها كما كانت قبل الحرب، حين كانوا يقضون أوقاتهم خلال البرد بين دفايات منازلهم القديمة، ليبقى التساؤل يطرح نفسه: متى يحظى سكان غزة بحياة تليق بهم؟ فهم إن لم تسقط منازلهم فوق رؤوسهم بسبب المنخفضات الجوية أو إجراءات الاحتلال بإغراق الأراضي، فقد تسقط بقصف ما!