كيف ستنتهي حرب إسرائيل على غزة؟

09 نوفمبر 2023
+ الخط -

معاناة الغزيين لا تنتهي بنزوحهم من الشمال نحو المناطق الوسطى أو الجنوبية، حيث يعيش أكثر من 550 ألف شخص في 92 منشأة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فالبنية التحتية والمرافق في حالة مزرية والأمراض منتشرة.

سار عدد كبير من أهالي قطاع غزة بين الجثث والأشلاء وسط الدبابات الإسرائيلية وهم يرفعون ما تيسر من رايات بيض في نزوحهم القسري نحو الجنوب هربًا من نيران القصف. اضطُر خلال الشهر الماضي، وفقا للأمم المتحدة، نحو 1,5 مليون نسمة للنزوح داخل القطاع المحاصر من أصل مجمل سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.

وصفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) الظروف في ملاجئها بأنها مكتظة و”غير إنسانية”، محذرة من أزمة صحة عامة تلوح في الأفق بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه والصرف الصحي.

وقُتل أكثر من 10 آلاف شخص في غزة منذ بدء الحصار الإسرائيلي، وفقًا لأرقام هيئة الصحة الفلسطينية في رام الله، المستمدة من مصادر في القطاع الذي تسيطر عليه حماس. وتقول إسرائيل إن هدف الهجوم الجوي والبري على غزة هو القضاء التام على حماس، بعد أن قتلت الجماعة المسلحة 1400 شخص في إسرائيل واختطفت حوالي 240 آخرين في هجمات إرهابية دامية يوم 7 أكتوبر.

ولكن على الرغم من إعلان إسرائيل عن ممر آمن وخصوصاً على الطريق الواصل بين شطري القطاع، إلا أن الأرقام الرسمية للقتلى أكدت أن لا مكان آمنا في القطاع، إذ قتل نحو 3600 شخص في جنوب ووسط قطاع غزة وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.

الحديث عن بداية وتطورات الحرب القاتلة الدائرة في غزة أمر لا مفر منه، لكن كذلك الأسئلة حول كيف ستنتهي هذه الحرب، ومن سيرفع الراية البيضاء أولاً وبأي ثمن.

الحديث عن بداية وتطورات الحرب القاتلة الدائرة في غزة أمر لا مفر منه، لكن كذلك الأسئلة حول كيف ستنتهي هذه الحرب، ومن سيرفع الراية البيضاء أولاً وبأي ثمن

إن الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر، الذي لم تسلم منه أرواح المدنيين أو منشآتهم، هو أكثر من مجرد رد على الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وإذا حكمنا من خلال الحجم الهائل للرد الإسرائيلي، فإن التغيير في الواقع السياسي على وشك أن يحدث. يتكشف أمامنا.

وفي أعقاب الهجوم، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن المنطقة لن تعود كما كانت مرة أخرى. وقد تردد صدى هذا الادعاء بصوت عالٍ في العواصم الغربية، التي سارعت إلى إعلان دعمها ودعم الجهود الرامية إلى طرد حماس من غزة.

اليوم، نقف أمام أزمة إنسانية مروعة، ومعركة عسكرية دامية، وأمام احتمالات مشروع سياسي مختلف. وقد تحقق إسرائيل طموحها وتقضي على الجماعة المسلحة كما نعرفها، إلا أن القضية والحقوق الفلسطينية باقية، مع وجود حماس في الصورة أو من دونها. وسوف تظل إسرائيل في خطر، كما يتبين من حجم الهجوم الأخير الذي شنته حماس، على الرغم من سنوات الحصار والمراقبة التي تفرضها إسرائيل.

ولا بد من تقديم ثلاث ملاحظات مهمة هنا.

أولاً، قد يكون نتنياهو وحماس عدوين، لكنهما حليفان في الجهود الرامية إلى إفشال مشروع السلام في المنطقة.

ثانياً، لن يخرج أي منهما منتصراً في هذه الحرب: فقد تخسر حماس غزة، في حين أن نتنياهو لا يخاطر بخسارة قيادة الحكومة الإسرائيلية في أعقاب فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول فحسب، بل وربما يذهب أيضاً إلى السجن بتهم الفساد التي وجهت إليه قبل ذلك التاريخ. الحرب.

وأخيرا، وعلى الرغم من كونها مميتة، فإن هذه الحرب سوف تبث حياة جديدة في مشروع السلام.

كان طرد ياسر عرفات ومقاتليه من لبنان بمثابة نهاية لفتح كمنظمة عسكرية، لكن عرفات عرف كيف يلعب بأوراقه السياسية. لقد أعاد تموضعه وتمكن من العودة إلى فلسطين زعيما للسلطة الفلسطينية، لا أقل من ذلك، بعد اتفاقيات أوسلو.

واليوم، قد يعيد التاريخ نفسه، حتى في ظل أسوأ أزمة إنسانية يشهدها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ خمسين عاماً.

وبعد أسابيع قليلة ستنتهي الحرب وتصمت الجبهات. وبعد ذلك، سوف يحين وقت السياسة.

وبينما كانت القنابل تنهمر من السماء فوق غزة، ألقى زعيم حماس السياسي إسماعيل هنية قنبلة مجازية من تلقاء نفسه عندما أعلن عن استعداد الحركة لقبول السلام في هيئة حل الدولتين. هنية يدرك جيداً ما يمكن أن تخبئه الحرب بعد ذلك. حماس ليست قوية بما يكفي لصد إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة، خاصة من دون أي دعم من حلفائها. ويريد هنية أن تكون لحماس جبهة سياسية يمكنها أن تجني ثمار هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ولكن يتعين عليه هو والزعيم السابق خالد مشعل أن يتغلبا أولاً على عقبة كبيرة: ألا وهي أن قادة حماس في غزة لا يعترفون بأي دور لأقرانهم في الخارج. حتى إنه سُرّب أنه جرى إقصاء أنصار هنية ومشعل من الأدوار القيادية منذ عام 2017، عندما سيطرت القيادة العسكرية برئاسة يحيى السنوار على الحركة.

واليوم، أصبحت حماس محاصرة، وهو ما قد يعني ضمان مقعد لقيادتها في الخارج إلى أي طاولة مفاوضات مستقبلية. ومع ذلك، حاولت الحركة، من خلال هجوم الشهر الماضي، القضاء على أي مفاوضات من هذا القبيل في مهدها.

لكن التحدي ينشأ هنا. لقد أدرجت الولايات المتحدة حماس على قائمتها السوداء للإرهاب، لذا فإن أي تعهد أميركي بمشروع سلام من شأنه أن يجبر واشنطن على التراجع عن موقفها.

ذات مرة، مُنع عرفات من دخول الولايات المتحدة أو الاجتماع مع المسؤولين الأميركيين، وظهرت بدائل مثل حيدر عبد الشافي وحنان عشراوي بدلاً منه خلال مؤتمر مدريد عام 1991. وفي نهاية المطاف، اضطر الأميركيون إلى الجلوس مع عرفات لأنه لم يكن من الممكن تحقيق السلام أو المفاوضات من دونه. صحيح أن حركة حماس المتطرفة ليست مثل حركة فتح، لكن لا يزال من المستحيل تجاهلها، ومن شأن التنازل عنها أن يعزز موقف السلطة الفلسطينية في المفاوضات المحتملة.

وحتى ذلك الحين، الطريق مليء بالفخاخ. وقد تعهدت إسرائيل بإبادة الحركة التي يبلغ قوامها 35 ألف مقاتل، لكن مثل هذا الهدف مستحيل عسكريا من دون أن يتكبد الجانبان خسائر مروعة في صفوف المدنيين وغيرها من الخسائر.

فهل توافق حماس على الابتعاد عن الساحة من أجل الحد من الخسائر في الأرواح بين المدنيين ومقاتليها؟

فضلاً عن ذلك، فحتى لو وافقت حماس على نزع سلاحها، فلن تكون أي دولة عربية على استعداد لضم الحركة تحت جناحها وتحمّل المخاطر المحتملة التي قد تصاحب مثل هذه الخطوة.

وقد يتفق طرفا الصراع، الواقعان بين المطرقة والسندان، أخيراً على تسوية لا يوجد من هو في وضع أفضل للمشاركة فيها من السلطة الفلسطينية. وهكذا ستشرق الأضواء من جديد في نهاية أنفاق غزة المظلمة.

 

طه خالد منصور
طه خالد منصور
كاتب فلسطيني مقيم في لندن، مهتم بقضايا الشرق الأوسط عموما وفلسطين خصوصا.