ملف| غزّة.. معركة فاصلة في تاريخ الأمّة (13)

12 يناير 2024
+ الخط -

صباح السابع من أكتوبر 2023، انتقل العالم بأسره من ضفة إلى أخرى، وانقلبت الموازين في المنطقة 180 درجة على كافة الأصعدة، وبات الرقم تاريخاً مخلّداً في ذاكرة كلّ عربي وغربي، لا يمكن محوه أو نسيانه مع مرور الزمن، حيث أعادت عملية طوفان الأقصى التي قامت بها كتائب الشهيد عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة حماس، القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العربية والغربية، وفرضتها أولوية على الطاولة العربية والغربية، بعدما وُضعت في الأدراج عمليات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في الأشهر، أو ربّما السنوات الأخيرة.

تُعتبر "طوفان الأقصى" وما تلاها من تطورات ميدانية وعسكرية انتصاراً كبيراً للشعب الفلسطيني والأمّتين العربية والإسلامية، وكلّ مُناصر ومؤيّد للقضية الفلسطينية، حيث أثبتت للعالم أجمع وحدة الفلسطينيين في وجه الاحتلال، وقوة المقاومة الفلسطينية في قهر الجيش الذي لطالما لقّب نفسه بأنّه "الجيش الذي لا يُقهر"، وأكّدت صمود الشعب الفلسطيني وتمسكّه بأرضه رغم كلّ الإجرام الذي ترتكبه القوات الإسرائيلية بحقه بشكل يومي. كما كشفت العملية وجه الكيان الإسرائيلي الحقيقي الإجرامي والبشع في عملياته غير الإنسانية بحق الفلسطينيين المدنيين والأبرياء، وعدوانه الوحشي على المستشفيات والمرافق الصحية ودور العبادة، ضارباً عرض الحائط كلّ المواثيق والاتفاقيات الدولية التي كان يتغنّى بها. والسلوك الإجرامي للكيان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين لا يمكن وصفه إلاّ أنّه قمّة "الإرهاب"، بعدما عرّت بشاعة الاحتلال ملامح أجساد الأطفال والنساء واغتالت أرواحهم وأحلامهم، دون أيّة مراعاة للقوانين الإنسانية والدولية.

فعلياً، تُعتبر الحرب الدائرة في غزّة اليوم من أهم الحروب في تاريخ البشرية والتاريخ الفلسطيني، إذ كشفت أيضاً هشاشة المجتمع الدولي، وأنّ كل الشعارات الرنّانة التي كان يتغنّى بها حول حقوق الإنسان وحماية الأطفال والاتفاقات والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات ليست إلّا أكذوبة كبيرة، وباتت منظمات وجمعيات حقوق الإنسان (نتيجة صمتها على هذه الجرائم التي كسرت كلّ القواعد الإنسانية) متواطئة، وربّما شريكة في هذه المجازر.

كشفت المقاومة هشاشة الكيان وأصابته بالصدمة والعجز أمام انتصاراتها التي لم تسمح له بتحقيق أي انتصار أو إنجاز

عملياً، يُعدّ ما قامت به المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب حدثاً تاريخياً لم يسبق له مثيل، إذ استطاعت جمع ملايين الأشخاص حول دعمها وفكرة المقاومة والدفاع عن الأرض والتمسّك بالتحرير وإعادة الحق إلى أصحابه، فلأوّل مرة يتوحّد ملايين الناس، من آسيا إلى أفريقيا، ومن أميركا اللاتينية إلى أميركا الشمالية، ومن أوروبا إلى آسيا، حول فكرة واحدة، وهي رفض الاحتلال الإسرائيلي والتضامن مع غزّة، والخروج بمظاهرات شعبية مليونية حاشدة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. 

وبالرغم من أنّ القضية الفلسطينية قضية جامعة وتحظى بتأييد واسع من كلّ شرائح المجتمع، وهي قضية عصية على الاختزال والمحو، إلا أنّها تراجعت في الفترة الأخيرة من سلّم أولويات الشعوب والأنظمة، وتمكنت المقاومة الفلسطينية من خلال عملية طوفان الأقصى من إعادة فرضها على الساحة، كما ساهم الإجرام الإسرائيلي في جعلها قضية مركزية على صعيد العالم، وليس فقط المنطقة، نتيجة الإبادة الجماعية والجنون الإجرامي الذي أصيب به في هذه الحرب بحق الفلسطينيين، والذي تمثّل في استهداف المستشفيات والأطقم الطبية ومدارس النازحين، والمناطق التي يصفها بالآمنة، إضافة إلى قصفه المتعمّد للصحافيين والإعلاميين، وكلّ ذلك لا يدل إلا على هشاشة الكيان وإصابته بالصدمة والعجز أمام انتصارات المقاومة التي لم تسمح له حتى اليوم، وبعد مرور أكثر من 97 يوماً، بتحقيق أيّ انتصار أو إنجاز.

وإذا قارنا هذه الحرب بالحروب السابقة التي شنّها الاحتلال الإسرئيلي على قطاع غزة، نجد أنّها الحرب الأكثر دموية وإجراماً، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2008، شن الاحتلال الإسرائيلي حرباً على قطاع غزّة أطلق عليها اسم "عملية الرصاص المصبوب"، وردّت عليها المقاومة الفلسطينية في القطاع بعملية سمتها "معركة الفرقان"، استمر العدوان الإسرائيلي 23 يوماً، إذ توقف في 18 يناير/كانون الثاني 2009، وأسفرت هذه الحرب عن أكثر من 1430 شهيداً فلسطينياً، منهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة و134 شرطياً، إضافة إلى أكثر من 5400 جريح. ودمرت أكثر من 10 آلاف منزل دماراً، كلياً أو جزئياً.

باتت غزّة اليوم ملحمة لكلّ البطولات ومعركة فاصلة في تاريخ الأمّة جمعاء

وفي يوليو/ تموز 2014 أطلقت القوات الإسرائيلية عملية سمتها "الجرف الصامد"، وردّت عليها المقاومة بمعركة "العصف المأكول"، واستمرت المواجهة 51 يوماً، وأسفرت هذه الحرب عن 2322 شهيداً و11 ألف جريح، وارتكبت إسرائيل مجازر بحق 144 عائلة، استشهد من كلّ واحدة منها 3 أفراد على الأقل، في حين قتل 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وأصيب 2522 إسرائيلياً بجروح، بينهم 740 عسكرياً.

وفي العام 2021، اندلعت معركة "سيف القدس" التي سمتها إسرائيل "حارس الأسوار"، بعد استيلاء مستوطنين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، وكذا بسبب اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وأسفرت هذه الحرب عن نحو 250 شهيداً فلسطينياً وأكثر من 5 آلاف جريح، كما قصفت إسرائيل عدّة أبراج سكنية، وأعلنت تدمير نحو 100 كيلومتر من الأنفاق في غزّة.

أما اليوم في الحرب الدائرة حالياً، نتيجة إطلاق المقاومة عملية طوفان الأقصى، والتي شملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً وتسلّلاً للمقاومين إلى عدّة مستوطنات في غلاف غزّة، فقد استطاعت المقاومة خلال أيام قليلة السيطرة على عدّة مستوطنات وأماكن في الغلاف، وأسفرت حتى اليوم عن سقوط 23469 شهيداً منذ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، و117 صحافياً، ناهيك بتدمير كامل للبنى التحتية وعدد كبير من المستشفيات والمدارس.

إذاً، بناء على كلّ ما سبق، لا بدّ من تجديد التأكيد على أنّ ما قبل السابع من أكتوبر لن يكون كما بعده على المستويات: السياسي والعسكري والاستراتيجي، وأنّ غزّة باتت اليوم ملحمة لكلّ البطولات ومعركة فاصلة في تاريخ الأمّة جمعاء، ويبقى السؤال اليوم عن الدور المستقبلي للشعب الفلسطيني في تحديد مصيره ومستقبل وطنه؟

مدونات
مدونات

مدونات العربي الجديد

مدونات العربي الجديد
النصّ مشاركة في ملف| غزّة لحظة عالمية كاشفة، شارك معنا: www.alaraby.co.uk/blogsterms