اللجوء السوري... حالة عابرة للأحزاب والطوائف في لبنان
في العام 2011، وفي غمرةِ ثوراتِ الربيع العربي التي بدأت من تونس عام 2010، ثارَ الشعبُ السوري في احتجاجاتٍ شعبيةٍ عفويةٍ سلميةٍ في المناطق السورية المهمّشة، مطالبًا بالحريّة والكرامة والانعتاق، ووضعِ حدٍّ للقمعِ والفسادِ والدكتاتوريّة، وسرعان ما عمّت وتوسّعت إلى معظمِ المناطق السورية. وقد ظنّ وقتها الشعبُ السوري، أنّ ثمن حريّتهم سيكون مسيرات سلمية وحناجر تصدح بهتافاتِ الحريّة والكرامة، لكنّه فوجئ بالثمنِ الكبير: أرواح ودماء وأشلاء ودمار وتشريد وهجرة و...
لم ترقْ تلك الاحتجاجات لمزاجِ رئيسِ النظام، بشار الأسد، إذ سرعان ما أعطى أوامره بقمعِ المظاهرات السلمية بالسلاح، فسقطَ مئات الآلاف من الضحايا، وتشرّد الملايين نزوحًا في الداخل السوري، ولجوءاً في مختلفِ بقاع العالم، وتحوّلت سورية إلى أزمةٍ دوليةٍ وساحةٍ للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.
اليوم، وبعد ثلاثةِ عشر عاماً على الحرب السورية، وكلّ ما مرّت به الأزمة من منعطفاتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ وإنسانية وحتى دبلوماسية، طفتْ على السطح أزمةُ اللجوءِ السوري في الدولِ المستضيفة وخاصة لبنان، إذ بدأتْ حملاتُ التحريض على اللاجئين، وصارتْ لا تُعدُّ ولا تُحصى، من قبل المؤيّدين لانطلاقةِ الثورة السورية قبل معارضيها، عدا عن إلصاقِ الأزمات والمشاكل على كافةِ الأصعدة، بالوجود السوري في لبنان، بل أكثر من ذلك، وحّدت أزمةُ اللجوء الأعداء والأصدقاء حول فكرةِ ضرورةِ ترحيلهم وإعادتهم إلى بلادهم، وكرّست حالةً عابرةً للأحزابِ والطوائف مطالبةً بالعمل على إخراجِ السوريين من البلاد، وهو ما يُعتبر إجماعًا سياسيًا غير مسبوق حول هذا الموضوع.
ولا شكّ أنّ الوجود السوري في لبنان يُشكّل ضغطاً كبيراً على الساحة اللبنانية التي تمرُّ بأسوأ أزمةٍ اقتصادية وأمنيةٍ واجتماعيةٍ وسياسية، إلاّ أنّه من غير العدل والمنطق تحميل السوريين مسؤولية أزمةِ لبنان التي تعود إلى عشراتِ السنين، وإلقاء كلّ اللوم عليهم.
ثارت الأحزاب اللبنانية التي ناصرت السوريين وأيدّت ثورتهم في بداياتها، وانقلبتْ عليهم بحجة الفوضى والأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلد
هذا داخليًا، أما على الصعيدِ الخارجي، فقد نشطَ في الفترةِ الأخيرة الحراك القبرصي والأوروبي للَجْم الهجرةِ غير النظامية للاجئين السوريين من لبنان عبر البحر إلى قبرص، وبحسب وزارة الداخلية القبرصية، زادَ عددُ اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى قبرص من لبنان في العام الأخير ٢٧ ضعفًا.
وفي هذا الإطار، زارتْ رئيسةُ المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، بيروت قبل نحو أسبوعين، برفقة الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليديس، وقدّمت مساعدةً ماليةً بقيمةِ مليار يورو، مقسّطة على أربع سنوات، عنوانها دعم الاستقرار في لبنان. لكن كثيرين في البلاد اعتبروا هذه المساعدة بمثابة رشوة أوروبية لإطالةِ أمدِ الوجود السوري في البلاد وحراسة حدود أوروبا، وكمقدّمةٍ لتوطينِ السوريين في لبنان، وهو ما حوّل الملف إلى أزمةٍ مذهبيةٍ وطائفيةٍ باعتبار أنّ معظم السوريين من الطائفة السنية، وهو ما يزيد عدد السنة في البلد، الأمر الذي ترفضه الطائفة الشيعية والمسيحيين في البلد ويعتبرونه قضيّة وجودية.
وقد نفضَ الأمين العام لحزبِ الله السيد، حسن نصرالله، يدهُ من مسؤولية تهجير وتشريدِ آلاف السوريين، وإجبارهم على تركِ أرضهم مع حليفه النظام السوري المسؤول الأول عن هؤلاء، واستبقَ جلسةَ البرلمان اللبناني بالدعوةِ إلى اتخاذِ قرارٍ وطنيٍ بفتحِ البحرِ أمام هؤلاء الذين يريدونَ الهجرةَ إلى أوروبا، بدل أن يتوسّط لهم عند حليفه "الأسد" لإعادتهم إلى بلدهم وأرضهم بآمانٍ واستقرارٍ وعدم التعرّض للشباب واعتقالهم وتعرّضهم للتعنيف الذي يصل أحياناً إلى حدِّ القتل حتى الموت، وقال نصر الله في خطابٍ متلفز: "لنكن أمام قرار وطني يقول 'فتحنا البحر'، أيها النازحون السوريون، أيها الإخوة كل من يريد أن يغادر إلى أوروبا، إلى قبرص هذا البحر أمامكم. اتخذوه سفناً واركبوه"، وربّما نسي سماحة الأمين، أنّه وحليفه النظام السوري، هما المسؤولان الأساسيان عن تشريدِ هؤلاء السوريين، لا بل برّأ نصر الله حليفَه السوري من رفضِ عودةِ أصحابِ الأرض وسرقةِ ممتلكاتِهم واعتقالهم، مصوّباً كلَّ تركيزه على الدول الأوروبية.
وعلى المقلبِ الآخر، ثارت الأحزاب اللبنانية التي ناصرت السوريين وأيدّت ثورتهم في بداياتها، وانقلبتْ عليهم بحجة الفوضى والأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلد، وبدأتْ الحملات التحريضية في المناطق والبلدات، والتعرّض لهؤلاء اللاجئين، وضربهم وإقفال محلاتهم وتوقيفهم عن العمل، بل أكثر من ذلك ترحيل عدد منهم، إجباراً وليس بطريقةٍ طواعية.
لا شك أنّ الوجود السوري في لبنان بحاجة إلى خطةٍ واضحة ومنهجية وعملية، وليس بطريقة عشوائية، ولا بدّ من التفريقِ بين اللاجئ السياسي المعارض لنظام الأسد، والذي سيكون مصيره الموت بمجرّد دخول الحدود السورية، وبين السوري المؤيّد للنظام، والذي يدخل ويخرج كيفما يشاء إلى الأراضي السورية، وصوّت للأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبالتالي إنّ الموضوع يحتاج إلى معالجةٍ واقعيةٍ وتصنيف هؤلاء بطريقةٍ علميةٍ موضوعيةٍ وبعيدةٍ عن الأحقاد والثأر.