عامٌ على الطوفان.. من يقف مع حزب الله؟
بعد مرور عام على عملية طوفان الأقصى ودخول جبهات الإسناد على المعركة ومن ضمنها الجبهة اللبنانية، لا بدّ من الوقوف على جملة من المعادلات والمتغيّرات التي فرضتها على الساحة اللبنانية، سياسياً واستراتيجياً.
فرضت حرب إسرائيل ضدّ قطاع غزّة نفسها على الساحة اللبنانية، وبخاصة في الأوساط الإسلامية، نظراً لأهمية القضية الفلسطينية الدينية والعقائدية. كما استقطب دخول حزب الله في اليوم التالي للسابع من أكتوبر جماهير المقاومة والقضية وجزءاً كبيراً من الساحة الإسلامية والسنية، وبدأ قسم كبيرٌ من الساحة السنية يلتَفُّ تدريجياً حول حزب الله باعتباره المقاوم والمدافع الأوّل عن الحدود اللبنانية من جهةٍ، ولإسناده جبهة قطاع غزّة من جهةٍ أخرى، خاصة مع ارتفاع أعداد الشهداء الذين قدّمتهم المقاومة والشعب اللبناني طوال عام وصولاً إلى التصعيد الأخير.
لم يقتصر الدعم السني للمقاومة على القاعدة الشعبية وبعض الموالين لغزّة والقضية الفلسطينية، بل امتدّ إلى العلماء والمشايخ السنة ودار الإفتاء والأحزاب السنية العريقة.
هذا الالتفافُ السني الشيعي حول المقاومة والقضية الفلسطينية أثار حفيظة الساحة المسيحية التي لطالما اعتبرت أنّ الساحة السنية جزءًا من محورها في مواجهة حزب الله، وشعرت أنّ تلك الحرب قد تُخسّرها حليفها السني، وتُفضي في النهاية إلى تحالفٍ سني شيعي ليس فقط حول المقاومة، وإنّما حول السياسة أيضاً، خاصة إذا ما أتت نتيجة الحرب لصالح الحزب ومحوره، بالرغم من كلّ التأكيد السني الواضح والصريح أنّ الدعم يقتصر فقط على مقاومة العدو الإسرائيلي ولا يمتدّ إلى المواضيع الأخرى، ولكن من يدرك طبيعة التركيبة اللبنانية يفهم مدى الهواجس والخوف لدى الأفرقاء السياسيين جميعهم دون استثناء.
المقاومة هي السبيل الوحيد لمواجهة إجرام العدو الإسرائيلي ضدّ المدنيين الأبرياء، والسماح للبعض بتحويل البوصلة إلى مكانٍ آخر هو بداية للهزيمة أمام الكيان الغاصب والمجرم
ولا شكّ أنّ عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، من حيث الشكل والمضمون والتوقيت، رفعت من شعبيّة الحزب داخل الساحتين السنية والشيعية، وخاصة بعض المعارضين (الشيعة) لسياسته في الداخل، وذهب بعضهم للحديث عن ضرورة فصل سياسة حزب الله في الداخل ومقاومته العدو الإسرائيلي على الحدود، بالتزامن مع محاولة البعض الغزل على القضية السورية وإعادة مشاركة الحزب في الحرب السورية إلى الواجهة، لتحييد المؤيدين، وخاصة السنة منهم، عن المسار الذي ينتهجه الحزب في تلك الحرب.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ حزب الله، سواء اتفقنا معه أم لم نتفق، يخوض الآن معركة شرسة ضدّ العدو الإسرائيلي دفاعاً عن اللبنانيين، وخاصة أهالي الجنوب، ودعماً للفلسطينيين وأهالي غزّة على وجه الخصوص، وقدّم خيرة شبابه وقادته في المعركة الحالية، ناهيك عن أهدافه المبطّنة ومشروعه في المنطقة وسياساته الداخلية والخارجية.
ولا شك أنّ الحرب الحالية زادت الخلاف اللبناني الداخلي، القائم منذ العام 2005 عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ورفعت مستوى الخطاب الطائفي والفتنوي بين اللبنانيين، في ظلّ التحذير من ارتفاع وتيرته مع اتساع دائرة الحرب.
ومع ذلك، لم ينس أحد من أحرار العالم دماء الأطفال السوريين والنساء والشيوخ التي أُهدرت طيلة الحرب السورية، ولكن البوصلة اليوم تتجه إلى أطفال غزّة، والمقاومة هي السبيل الوحيد لمواجهة إجرام العدو الإسرائيلي ضدّ المدنيين الأبرياء، والسماح للبعض بتحويل البوصلة إلى مكانٍ آخر هو بداية للهزيمة أمام الكيان الغاصب والمجرم.
أخبار القتل والدمار لا تُنسى ولا تُغتفر، إلاّ أنّ الأحداث ومجريات الأمور والتغيّرات تفرض واقعاً جديداً، وتعيد ترتيب الأولويات على قاعدة المثل اللبناني القائل "أنا وخيي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب".