مخطط لخطف الفتاة سمارة من طرطوس

23 نوفمبر 2021
+ الخط -

بعد أن أتحفني الصديق أبو أحمد بخلاصاته العجيبة التي خرج بها من رحلته الدراماتيكية من إدلب إلى حماه.. قال: نسيت أن أخبرك بفكرة أعتقد أنها ستعجبك.

قلت: هاتها.

قال: عندما وصلنا إدلب، ونزلنا من الميكروباص الذي يقوده أبو الفهد أمام مبنى مديرية التربية، بالقرب من مبنى السجن القديم، فرحنا، وهيصنا، ورحنا نتبادل التهاني بالسلامة، وقد أصبحنا، بعد تلك السفرة العجيبة، أصدقاء على مدى الحياة، مثل أصدقاء العسكرية، ورفقاء الحج. وفيما بعد صرنا، كلما التقى اثنان منا في السوق يسأله ممازحاً: أشو خاي؟ على بالك نسافر شي سفرة لحماه؟

فيرد عليه الثاني: الله الله، على تلك السفرة.

قلت لأبو أحمد: لو أنكم أتيتم من حماه إلى بلدتي معرتمصرين، ضمن هذه الظروف الخطيرة، لأصبح حالكم كحال أولئك الشبان الذين ذهبوا إلى مدينة طرطوس ليختطفوا "سمارة"، حبيبةَ صديقهم "عبودي".

قال أبو أحمد وكأنه عثر على ضالته: إنني أتصل بك، يا أبو المراديس، منذ أكثر من أسبوع، وأحكي لك، دونما توقف، تفاصيل ما جرى معنا في رحلتنا العجيبة إلى حماه، وقد جاء الدَوْر عليك الآن لتحكي لي.. ما حكاية خطف الفتاة سمارة من طرطوس؟

قلت: يعود زمن الحكاية إلى ما قبل أربعين سنة تقريباً. كان في معرتمصرين، أيامها، مجموعة من الأصدقاء المتحابين، المتضامنين، المستعدين لأن يفدي كلٌّ منهم أصدقاءَه بروحه. وكان أهل معرتمصرين يحسدونهم على تلك الصداقة الفولاذية. ولكي أعطيك فكرة واقعية عن علاقتهم، أذكر لك أن أحدهم، واسمه سفيان، استعار سيارة صديقه طاهر، (مع أن السيارة - في العرف الشعبي – مثل الزوجة، لا يجوز أن تُعَار)، دون أن يسأله طاهر عن سبب الاستعارة، أو الوجهة، أو عن الزمن الذي سوف يستغرقه حتى يعيدها. وعندما أعاد سفيان السيارة لطاهر، كان الطرف الأمامي الأيسر منها مشوهاً، مطعوجاً، ما يدل على أنها تعرضت لحادث.. وقد أراد سفيان، وقتها، أن يخبر طاهر بذلك، ولكن طاهر تناول منه المفتاح وقال له: أنا مشغول الآن، تحكي لي لاحقاً.

قال لي أبو أحمد، معقباً على هذه الجزء من الحكاية: بالفعل هذه صداقة قوية.

قلت: نعم. وفي اليوم التالي، صار بعض الناس يهمسون لعمران بأن صديقه سفيان أساء استعمال السيارة، وبعضهم أكد له أنه شاهده يَخرج بالسيارة إلى منطقة "الدويسة"، جنوبي البلدة، حيث كانت تنتظره فتاة ترتدي ملاء سوداء، (لئلا يعرفها أحد)، وقد ركبت إلى جواره، وذهبت معه في السيارة إلى طريق إدلب، وكان سفيان يسوق دون أن ينتبه للطريق، لأنه منشغل بمغازلة الفتاة، وفجأة جاءت في مواجهته سيارة مسرعة، وعندما انتبه لزمور السيارة القوي، ارتبك، وخرج بالسيارة إلى يمين الطريق، فاصطدم طرفها الأمامي الأيسر بجذع شجرة مقطوعة..

ما فعله سفيان أنه دعا مجموعة الأصدقاء إلى اجتماع طارئ وعاجل، ولكن ليس في المقهى.. وذهب الجميع إلى دار عبودي، وعقدوا اجتماعاً مغلقاً

لم يصغ طاهر لأقاويل الناس، ولكن الحكاية كبرت، وصار اللغط علنياً، وفي اليوم التالي جاء أقارب طاهر إلى المقهى، حيث يجلس عادة، وصاروا يوبخونه على تساهله مع صديقه، وقال له أحدهم: طالما أن سفيان هو الذي صدم السيارة، وشوهها، و(طَعْوَجَها) فليأخذها على الأقل إلى الصواج، ويسوي الطرف المطعوج منها على حسابه.

وجد طاهر نفسه محاصراً بين اللائمين، فخرج من توه إلى السيارة، فتح الباكاج الخلفي، حيث يضع بيدوناً مليئاً بالبنزين، أخرجه، وسكب محتوياته فوق السيارة، وأشار لصديقه سفيان الذي كان غارقاً بلعب الورق، وقال له: تعال سفيان. أريد منك مساعدة.

قال سفيان: تحت أمرك طاهر. ماذا تريد؟

أعطاه علبة كبريت وقال له: أريدك أن تشعل النار في السيارة وتحرقها. وليشهد عليَّ كل أهل البلد، السيارة على قفا صباطك يا صديقي!

قال لي أبو أحمد: والله هذا موقف رجولي غير مسبوق. فما حكاية سمارة؟

قلت: بطل حكاية سمارة واحد من نفس مجموعة الأصدقاء اسمه "عبودي"، جاء ذات مرة إلى المقهى غاضباً، لم يسلم على أصدقائه المتجمعين حول إحدى الطاولات، جلس وحده مديراً ظهره لهم. وقد انتبه له سفيان، فذهب إليه، وجرى بينهما الحوار التالي: سفيان: ما بك يا عبودي؟ أراك غاضباً وحزيناً.

عبودي: طبعاً سأكون حزيناً. لأن لدي أصدقاء كثيرين، ولكن دون جدوى.. تصور أن أكون واقعاً في أزمة كبيرة، ولا يهب أحد من اصدقائي لمساعدتي.

سفيان: باطل. أليس عيباً عليك أن تقول هذا؟ وهل طلبتَ منا طلباً ولم نهب لتلبيتك؟

عبودي: بصراحة الطلب صعب.. وأنا أتوقع أنكم ستتهربون مني.

سفيان: أنا لم أفهم عليك شيئاً. قل لي بالله عليك ما حكايتك؟

قال عبودي وهو يغمض عينيه وكأنه في حلم: أحبها يا سفيان. بنت لا يوجد أجمل منها في الدنيا. اسمها سمارة.

سفيان: وهل سمارة من هنا؟ من معرتمصرين؟

عبودي: لا. هي من طرطوس. أنا كنت في زيارة لبيت خالي جندو، خالي كما تعلم شرطي يخدم هناك. وخلال زيارتي تعرفت عليها.

شعر سفيان بأنه أدرك حقيقة الأمر، فقال: فهمت عليك. وطبعاً أنت طلبتَها، وأهلها لم يزوجوك إياها، بحجة أنك فقير، ومنحوس، وغريب عن طرطوس، ويفضلون أن يزوجوها لابن عمها أو ابن خالتها، وهي تحبك أنت، ولكن أباها ظالم، لا تجرؤ على مفاتحته بحبها إياك.. وقد يكون أحد من أقاربها ذهب إلى كاتب الحجابات، وكتب لكما تميمة لإيقاع البغضاء في قلبيكما الطاهرين.

دهش عبودي من هذه السحبة الطويلة، وقال لسفيان: أنت من أين أتيت بكل هذه المعلومات؟

سفيان: أنا لا أملك معلومات ولا بطيخاً مبسمراً، ولكنني عندما رأيت خلقتك المقلوبة عرفت أن القصة فيها حُبّ وما حب، وتوقعت أنك تريد الفتاة، وهي تريدك، ولكن يوجد مؤثرات خارجية، وعواذل، وشيء من هذا القبيل. قم قم. تعال معي.

ما فعله سفيان أنه دعا مجموعة الأصدقاء إلى اجتماع طارئ وعاجل، ولكن ليس في المقهى.. وذهب الجميع إلى دار عبودي، وعقدوا اجتماعاً مغلقاً، افتتحه سفيان بالسؤال: هذا عبودي صديقنا أم ليس صديقنا؟

الكل: صديقنا.

سفيان: إذا كان عبودي واقعاً في مأزق مَن يهب لمساعدته؟

جلال: كلنا تحت أمر عبودي.

سفيان: باختصار، ومن الآخر، سنذهب معه إلى طرطوس، نخطف له حبيبته سمارة، ونرجع إلى معرتمصرين، ونقيم له عرساً مطنطناً، ونغني له: الله يساور دوس دوس هيه. هل يوجد أحد عنده اعتراض؟

دون أي تردد وافق الجميع على الذهاب إلى طرطوس وخطف سمارة.

(للقصة تتمة)

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...