لماذا ورطتُ نفسي في متاهة الزواج؟

23 مارس 2023
+ الخط -

هل تعلمين يا سميحة أنّ هنالك أشياء أسوأ من الموت بكثير؟

يرى العالم أنّ الموت نهاية، ولكن الموت في حقيقة الأمر ليس سوى بداية لحياة أخرى. نحن لا نموت يا سميحة فقط لأن الله يستكثر علينا الحياة والسعادة في حرم الجمال، ولكن لأنّ الله أدرى بأسباب ما قضى به. لقد خبرت يا سميحة أشياء أسوأ بكثير من الموت، وتمنيت الموت طمعاً في الراحة من مصائب الدنيا، وأين أنا من الموت الآن؟ الله أعلم.

أغدق عليّ القدر بكثير من الصعاب والمصائب، كان من بينها النسيان. جاءني النسيان متنكراً على هيئة نعمة من النعم التي لا تأتي سوى مرّة في العمر، حتى وجدتني لا أتعرف إلى أحد من أسرتي وأصدقائي. نسيت نفسي وزوجتي وأحفادي، ولكنني لم أنسَكِ يا سميحة، لم يستطع دماغي العاصي أن يتخلص من ذكراك. هي أشياء لا تنسى يا سميحة. فهل تذكرين؟

أنا الآن تحت رحمة ما تبقى لي من الذاكرة، أرى طيفك حيثما حللت وارتحلت ويكاد الخوف من خسارة أسرتي يمزقني. أشعر بأنني وحش خبيث كلما ناديت زوجتي باسمك، عاملتها بلطف وفتحت أمامها باب الأمل على مصراعيه لأهجرها بعد أن يتضح لي الفرق الشاسع بينك وبينها.

كنت ألاحق سراب السعادة بعيدًا عن حبّك الذي أغناني إذ كنت فقيراً، أطعمني إذ كنت جائعاً، وسقاني إذ كنت ظمئاً

أتذكرين يا سميحة كيف صرختِ في وجهي عندما تشاجرنا لآخر مرة؟ تمنيتِ يومها لو باستطاعتك نسيان كلّ ما حدث بيننا، لو أنّ في داخل دماغك زراً يمنحك حق النسيان، ويخلصك من رواسب حبنا اليتيم. لم أنسَ، نسيت كلّ شيء، ولم أنسَ معالم اللقاء والفراق. لا يزال موعد هجرك لي محفوراً في فؤادي، أتذكره كلّ سنة وأمنّي نفسي بمعجزة ربانية تعيد لي حبي الأول. لم أكن أتوقع أن تنطلقي في حال سبيلك دون الالتفات، لطالما آمنت بأنّ ما كان بيننا لم يكن مجرّد حب، بل كان وحدة أبدية بين روحين. لكم كانت خيبتي قاتلة حينما علمت بخبر زواجك! عدت من فرنسا كالكلب الذليل بعد أن قضيت ثلاث سنوات ملاحقاً وهماً سُمِّيَ النجاح، عدت لأسمع زغاريد أمك متعالية من بيتكم، وكاد أن يجن جنوني. اخترتِ الأستاذ منعم؟ لست أملك حق محاسبتك بعد فعلتي الشنعاء، ولكن زواجك بالأستاذ منعم كان انتهاكاً صارخاً لكرامتي، وما كان يحزنني أكثر من تخليك عن حبنا، اختيارك لرجل لا تحبينه، فقط لكي تثيري حنقي بعد ما فعلته. رجل كان غريمي وعدوي اللدود. لم أستطع النوم ليلتها، كان الغضب قد سيطر على جسدي المتعب من رأسي حتى أخمص قدمي، وصورتك وأنت في قفطانك الأخضر لم تغادر عيني.

عزمت على أن أغادر فاس دون عودة، وغبت عن مدينتنا لأكثر من خمس سنوات بحثاً عن شيء لا أعرف ما هو. كنت ألاحق سراب السعادة بعيداً عن حبّك الذي أغناني، إذ كنت فقيراً، أطعمني إذ كنت جائعاً، وسقاني إذ كنت ظمئاً. وماذا بعد لحظة الإدراك الكبيرة؟ لا شيء، فراغ كبير في صميم قلبي الذي نسيته في كف يديكِ عندما افترقنا. ومع ذلك، خضعت لرغبة أمي في تزويجي. قلت لنفسي ما دمت لم أحقّق ما تمنيته، فمن غير العادل أن أحرم أمي ما تتمناه. لست أذكر ما الذي حدث بعد ذلك بالضبط، لكنني تزوجت ولا أعرف لماذا ورطت نفسي في متاهة أكبر مني.

دلالات
آية العزوق
أية العنزوق
كاتبة وطالبة جامعية باحثة في مجال علم النفس، مهتمة بالقضايا السياسية والاجتماعية. لها عدّة مقالات وقصص قصيرة في الصحف والمجلات. تعرّف عن نفسها بقول للكاتبة فرجينيا وولف "رغبتي للحُب لم تخبو وتذبل، فما تزال بداخلي أحاسيس التوق والهيام ولا أستطيع أن أُظهرها للعلن، أوليست أرق وأعذب المشاعر تِلك التي نجعلها محبوسة بداخِلنا؟!".