كيف تصنعُ امرأة تابعة؟

15 نوفمبر 2022
+ الخط -

أثبت العلم أنّ الإنسان يُولد بعقلٍ خالٍ من المعرفة، ويكون عبارة عن صفحة بيضاء يبدأ فيها الأهل والمجتمع بخطِّ قناعاتهم وأفكارهم ورسمها داخل هذا العقل. فيتلقّن الفرد المعرفة والعلوم والعادات من محيطه الذي يعملُ جاهداً على نقل أفكاره إليه.

وبما أنّ العقل الإنساني يُخلَقُ نظيفاً، فإنّ الاتهامات الموجهة لأحد الجنسين بتفرّده فيها (عدا الفيزيولوجية منها) هي باطلة؛ لأنّ سلوك الإنسان وأفكاره كلها مكتسبة. وبالتالي اتهامهم للإناث وحدهن بالثرثرة وكثرة الإلحاح "النقّ" هي اتهامات غير صحيحة؛ لأنها كما الذكر وُلدت بعقلٍ صافٍ خالٍ من أيّ فكرة، فإذاً كيف أُلصقت بها هذه الصفة؟ ولماذا؟

إن عدنا إلى مراحل الطفولة للجنسين كليهما سنرى كيف يكتسبان من والديهما ومحيطيهما معظم ما عرفاه لاحقاً، ويحاولان تقليدهما في كلّ شيء، فالوالدان هما المثل الأعلى الأول بالنسبة إلى الصغار في مرحلة الطفولة.

لذلك يحاول الولد أن يكون شخصية قيادية مثل أبيه (حين يكون الأب كذلك)، وتلقائياً تصبح الفتاة مطيعة مثل أمها، تقلّدها في لباسها وعملها وزينتها وكلامها، فإذا كانت الأم كثيرة أو قليلة الكلام، ستكون ابنتها كذلك في الغالب.

وإن كان العلم يُرجِع سبب كثرة كلام المرأة غالباً إلى وجود مادة عالية من البروتين في دماغها مقارنة مع الرجل، وإلى حبّها للفت الانتباه، فإنه يمكننا إرجاعها أيضاً إلى طاقة دفينة داخلها تريد تفريغها وقد لا يُتاح لها ذلك إلا بالكلام. فحين تُؤطَّر المرأة داخل منزل وبضعة أعمال روتينية مملة، وتعيش في وسط مشابه لهذا النمط، ستبقى الدائرة مغلقة ضمن مجال اهتمامات واحدة، فتتحوّل الطاقة الداخلية لديها، إلى ثرثرة وأحاديث لا تنتهي.

حين تُؤطَّر المرأة داخل منزل وبضعة أعمال روتينية مملة، وتعيش في وسط مشابه لهذا النمط، ستبقى الدائرة مغلقة ضمن مجال اهتمامات واحدة

وكثيراً ما يشعر الرجل بالضجر من كثرة أحاديث المرأة، ويتهمها بالثرثرة، هذا الرجل نفسه الذي منعها من العمل خارج المنزل أو ممارسة نشاطاتٍ تحبها، وهو ذاته الذي لم يشجعها، أو يسمح لها حتى بالسعي لتثقيف فكرها، فيصل إلى فكرة أنّ شريكته مملة بأحاديثها واهتماماتها، وغالباً لا يكون السبب هو كثرة كلامها بقدر ما هو قلّة أهمية هذه الأحاديث بالنسبة إليه، حيث يجدها أحاديث فارغة لا معنى لها، ولا يمكن احتمالها، ناسياً أنه بتحديده لمساحة حريتها قد حدّد موضوعات اهتماماتها ومعارفها، وجعل لديها طاقة خامدة مستمرة تسعى لتفريغها في أيّة فرصة.

وإن توقفنا عند إلحاح المرأة المستمر والمتكرّر، سنجد مع مراقبة الأطفال لآلية تحقيق الأم لمتطلباتها غير المجابة أنهم سيتبعون الطريقة ذاتها، فيكتشفون أن الأم التي رُفض طلبها في البداية من قبل الزوج (غالباً)، وعادت إلى الإلحاح عليه مراراً في وقت آخر، قد حصلت على ما تريد، إذاً تلقائياً سيُبرمَج عقلُ الأطفال على أنّ كثرة الطلب وتكراره يحققان الغاية.

أما كون المرأة تكرّر طلباتها فهذا يعود إلى تبعيتها للرجل الذي يقرّر في كثير من الأحيان الأمور عنها، إذ لا يمكنها اتخاذ قراراتها بنفسها لأنه وصيٌّ عليها ويملك زمام أمرها، وسيغضب إن تجاوزته، لذا لا بد من موافقته قبل قيامها بأيّ عمل.

 ولكن ما يجعل هذه الصفة أكثر التصاقاً بالفتاة من الصبي هي مساحة الحرية التي تُمنح لكليهما، ففي الوقت الذي يجد فيه الذكر أنّ حرية التصرف مفتوحة أمامه كلما كبُرَ، ويمكنه اتخاذ قراراته بنفسه وتحقيقها دون اعتراض من أحد، ستنسحب تدريجياً فكرة الإلحاح من ذهنه لأنه لم يعد بحاجة لها.  

أما الفتاة فبحكم وجودها في مجتمع يضع حدوداً لحركتها وحريتها، تبقى تابعة لغيرها، وتبقى صلاحياتها ومساحة حريتها أقلّ من الصبي، فتظلّ مكبلة بقيد الوصي الذي لا يمكن تجاوز رغباته، وبالتالي لا يمكنها التخلي عن آلية الإلحاح/ "النق" لأنّ جزءاً غير قليل من رغباتها لا يُجابُ بسهولة ويحتاجُ موافقة غيرها. 

 لذا ينتهي المطاف بالمجتمع إلى الإقرار بأنّ الأنثى تتصف بهذه الصفات وليس الذكر، دون الاعتراف بأنهم (هم الذكور) بقوانينهم من حوّلوها إلى تابع بشكل مستمر لا يستطيع التصرف بحياته دون طلب إذنهم.

رهف غدير
رهف غدير
مدرّسة لغة عربية سورية، وتعمل في إخراج وتدقيق الكتب العربية.