فاتن أمل حربي... امرأة تواجه سلطة القانون والمجتمع
تشتبك الدراما العربية، في كل موسم رمضاني، مع الجمهور العربي ضمن اتجاهين أساسيين؛ الأول رجولي فحولي يتخذ العنف منهجا، والثاني نسائي جمالي استهلاكي. إلا أن في ذلك التشابك، المعتاد موسميا، لحظات فارقة، تجمع فيها مشاكل واقعية، عبر "هفوة درامية" متجسدة على أكثر من نسق، بدءا من أماكن التصوير المتواضعة، مرورا باللغة المستخدمة، وصولا إلى كسر "تابوهات" كانت حتى وقت قريب من المحرم نقاشها.
لم يكن مسلسل "فاتن أمل حربي" إلا تجسيدا لهذا التشابك الملحمي: سردية مجتمعية مجهزة بآليات دفاعية، تدعي وجود إنصاف للمرأة، وأخرى "متباكية" تحاول نزع وهم "يتيوبي" من أدمغة الناس، ورفع مستوى الوعي الجماهيري بالواقع الصعب الذي تعيشه المرأة العربية.
استبداد القانون
في التفاصيل، تزداد المشاكل مع أمل؛ فبعد طلاقها تبدي رغبتها بالزواج مرة ثانية، لتتفاجأ بقانون الحضانة، الذي ينص على تخلي المرأة عن أولادها إلى والدة طليقها حال زواجها مرة أخرى.
وطبعا، لا تستسلم أمل لهذا الأمر، معلنة رفضها لذلك، ومحاولة الاستفسار من شيخ أزهري. وفي خضم صراعها على حضانة أولادها، يحاول طليقها ابتزازها بنقل بناتها إلى مدارس حكومية، بحجة عدم مقدرته على المصاريف؛ إذ ينص قانون "الولاية التعليمية" على حق الرجل بالتصرف حسب ما يريد تجاه أولاده، ووفق ما تحتويه ظروفه.
لذلك، تجد في صميم معارضة مسلسل فاتن أمل حربي حالة "خوافية" من تحصيل المرأة لحقوقها، أو رفع مستوى قدرتها المعرفية
يبرز المسلسل مشكلة واقعية تحصل مع نساء كثيرات، وهي الثغرات القانونية التي تستغل لإخضاع المرأة والسيطرة عليها، حيث يسيطر الرجل على كثير من "الأدوات الاستبدادية" التي يتحصل عليها ويمارس من خلالها أساليبه الخاصة، للتلاعب بالقانون وإجبار النساء على قبول واقعهن المؤلم. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يتخطى ذلك إلى ابتزازهن، سواء عبر حرمانهن من حقهن المالي، أو تخويفهن بالتعرض لأبنائهن وملاحقتهم، وبالتالي تشعر المرأة أنها تعيش داخل كيان مرعب، لا يسمح لها بالتعبير عن ذاتها، أو الإحساس بوجودها.
ونتيجة لذلك، كان للمسلسل ردود فعل غاضبة، لا سيما ممن يلومون ممارسات بعض النساء تجاه أزواجهن وحرمانهم من رؤية أولادهم، ولكن، على الرغم من صدقية هذا التخوف إلا أن ذلك لا يلغي من واقعية المسلسل وما يجره من وقائع تكاد تمس كل واحد فينا: بأخته، أو بنته، أو ابنة عمه، أو لأحد جيرانه. وإن التكذيب الحاصل لهذا الواقع المأزوم لا يحمل إلا تجميلا مزيفا، يحول القبيح إلى صورة وردية مشوهة. وإنكار تلك المظالم -كما هو حاصل في مواقع التواصل الاجتماعي- لا يجعل من المعلومات المتداولة حقيقة صحيحة؛ مثل الرفض والتشكيك المطلق بحقيقة استغلال ولوي القانون من قبل بعض الرجال لإخضاع زوجاتهم.
نظرة مجتمعية قاصرة
لا يتوقف المسلسل عن مناقشة التحصيلات القانونية وما تحتويها من جدالات ساخنة، إلا بسبر أغوار التفكير الجمعي وما يتضمنه من رؤية قاصرة عن المطلقة ودورها الاجتماعي؛ إذ يخشى الكثيرون الإقدام على تطليق بناتهم خشية نظرة المجتمع لهن، وما يحمله ذلك من وضع "ماهوي" متصلب، حيث تكثر "تنميطات" من مثيل: "الزوج رحمة شو ما كان!" .. "بكرة بينصلح حاله" .. "المرأة ما لها إلا بيت زوجها!" .. "ألف كلمة متعذبة ولا كلمة مطلقة!"... إلخ. وذلك ضمن سياقات مهينة لوضع المطلقة، عدا عن خوف النساء من التحكم بمصيرهن، أو استغلال ظروفهن، أو تهديد وابتزاز أولادهن.
وهكذا تستمر المرأة في مواجهة أنساق متعددة، مخيفة، لا تتخلص من ثغرة قانونية يستغلها زوجها إلا وتدخل في متاهة نظرة مجتمعية تدقق عليها حركاتها، وتحصي عليها أنفاسها. لذلك، تجد في صميم معارضة مسلسل فاتن أمل حربي حالة "خوافية" من تحصيل المرأة لحقوقها، أو رفع مستوى قدرتها المعرفية، فكانت الردود في معظمها "هياجية"، تؤكد على مشاكل أصابت الوعي الجمعي، وخوف هذا الوعي من مناقشة أمور ظلت قيد التجميد المتعمد.