عن اجتماع وزيرة الخارجية الليبية مع الإسرائيليين
في الشهر الماضي أعلنت إسرائيل عن اجتماع بين وزير خارجيتها ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، وأدى ذلك إلى ردود فعل مستنكرة واحتجاجات في ليبيا كانت أبرزها في العاصمة الليبية طرابلس، حيث تحركت مسيرات غاضبة في عدة مناطق واقتحمت مقرات لإقامة رئيس الحكومة.
بغض النظر عن استخدام القضية كوسيلة في النزاع السياسي الليبي، ومواقف الناس من حكومة الوحدة الوطنية وتأثيرات اللقاء على هذه المواقف، أريد هنا أن أطرح أسئلة بسيطة لم تطرح حول هذا اللقاء بحيث ننظر إليه من وجهة نظر تحليلية موضوعية جادة بعيداً عن العواطف.
ولكي يكون الأمر واضحاً، أنا شخصياً لست مؤيداً للتطبيع ولذلك أسباب خاصة سوف تتضح في الفقرات القادمة، ولكنني لن أتخذ هذه الحادثة نقطة للتهجم على الحكومة التي نعرف أخطاءها وعيوبها ونعرف أيضاً مميزاتها أو ما نجحت فيه.
ماذا ستستفيد ليبيا من التطبيع؟
ليبيا في وقتنا الحالي هي دولة مفككة وضعيفة وهشة وعلاقتها بمعظم الدول علاقة معقدة، بسبب الأوضاع التي تعيشها، فمثلاً معظم الدول العربية تفرض تأشيرات على المواطنين الليبيين الذين يرغبون في زيارتها، والمسافرون الليبيون يشتكون عند سفرهم إلى معظم الدول من سوء المعاملة، ويردون ذلك أيضاً إلى سوء الأوضاع الأمنية وضعف الدولة الليبية في الجانب الدبلوماسي.
فهل ستستفيد ليبيا من التطبيع؟
في الحقيقة لا أعتقد أن هنالك فائدة حقيقية ستطرأ على الواقع الليبي في حال قررت الدولة الليبية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وربما ننظر مثلاً إلى أمثلة من واقعنا العربي ونسأل ذات السؤال ما هي الفائدة الحقيقية من التطبيع مع إسرائيل؟
هل ستفتح إسرائيل باب السفر لليبيين إليها أو هل ستلغي التأشيرات مثلاً؟ أو هل ستنجح في إقامة أنشطة اقتصادية على الأراضي الليبية؟ هل سترسل إسرائيل وفوداً سياحية إلى ليبيا؟ أو هل ستقوم بفتح سفارة لها في ليبيا؟ هذا مستبعد جداً… ولذلك لا أعتقد أن هنالك فائدة من التطبيع.
هل تستطيع الحكومة الليبية أن توافق على التطبيع؟
الحكومة الليبية تواجه مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية وهي لا تسيطر بشكل حقيقي على رقعتها الجغرافية وتواجه مشكلة مع البرلمان، كما أن القوانين الليبية تمنع التطبيع كفكرة وبالتالي ومن خلال ما سبق يتضح أن التطبيع كفكرة صعب التطبيق، لا سيما وأننا نعلم أن معظم سفارات الدول كانت إلى وقت قريب تمارس عملها من خارج ليبيا.
هذا يعني أنه حتى في حال موافقة الحكومة على التطبيع فإن التطبيق سيكون صعباً جداً في الواقع.
هل يعني التطبيع أن أزمات ليبيا ستنتهي؟
يرى بعض الناس أن ما تعانيه ليبيا من أزمات سببه مؤامرة لدفع البلاد نحو التطبيع، وبالتالي فإن التطبيع - من وجهة نظرهم - سينهي هذه الأزمات التي تعيشها البلاد، ولكن ذلك غير صحيح في وجهة نظري الخاصة.
السودان دولة عربية جارة لليبيا وأعلنت التطبيع مع إسرائيل في عام 2020 ولكن ذلك لم يمنع اندلاع الحرب في عام 2023 كما نشاهد حالياً، وذلك يعني في اعتقادي أن التطبيع لا يعني أن الأزمات ستنتهي في الدولة العربية المطبعة.
لماذا تسعى إسرائيل للتطبيع ما الفائدة؟
يعتقد كثيرون أن إسرائيل لديها أطماع في المنطقة ولديها أطماع متعلقة بليبيا وثروتها النفطية ويفترض بعض الناس أن ليبيا بما أنها دولة نفطية فهي دولة غنية يسيل لعاب العالم عند ذكرها.
ولكن ذلك غير صحيح منطقياً، الدولة الليبية تنتج نحو مليون و200 ألف برميل من النفط بينما يبلغ الإنتاج العالمي أكثر من 80 مليون برميل يومياً وهذا يعني أن إنتاج ليبيا يبلغ نحو 1.5% من الإنتاج العالمي وهي نسبة ضئيلة.
دخل ليبيا من النفط يبلغ تقريباً 20 مليار دولار سنوياً وهذا المبلغ أقل من ثروة شخص واحد من الموجودين على قائمة أغنى أثرياء العالم، وهو أقل أيضاً من إيرادات أرباح بعض الشركات الكبرى.
ليبيا دولة نفطية ترهقها فاتورة الرواتب وتبعات الفساد والحروب وسوء التخطيط، وهذا يقلل من أهميتها الاقتصادية بطبيعة الحال ويضر ببنيتها التحتية وقيمتها كدولة
تقدر ثروة إيلون ماسك بنحو 192 مليار دولار وهو ما يعادل إنتاج ليبيا من النفط لنحو عشر سنوات تقريباً.
في عالم المصالح وعالم الاقتصاد كل دولار مهم، نعم، هذا صحيح ولكن النفط الليبي مرتبط بعقود ومؤسسات وشركات محلية وأجنبية والتطبيع في الحقيقة لا يعني أن إسرائيل ستستحوذ على النفط أو تشارك في مقاسمة الكعكة، الأمر لا يتم بهذه الطريقة.
ومن وجهة نظر جيوسياسية هناك دول عدة في المنطقة أهم من ليبيا في إطار التخطيط للتطبيع بعض النظر عن النفط، خاصة من النواحي الجغرافية والأمنية.
تاريخ ليبيا كدولة ممانعة وموقفها القوي ضد التطبيع خلال سنوات طويلة من التاريخ الحديث له أهمية قصوى ربما تفوق أهمية النفط والغاز
لماذا فضحت إسرائيل هذا اللقاء وأعلنت عنه؟
إجابة هذا السؤال بطبيعة الحال ليست إجابة مؤكدة وحقيقية بنسبة 100% ولكنه مجرد تحليل يحتمل الخطأ والصواب، وهذه الإجابة هي محاولة للفهم وقراءة المشهد بنظرة عقلانية غير عاطفية.
عندما أعلن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات نشرت الصحف أن الاتفاق جاء بعد عقود من المشاورات والمباحثات، عشرات السنوات مضت لتمهيد الإعلان عن تطبيع العلاقات، وباستثناء السنوات الأخيرة لم نكن نسمع أو نعلم بتسريبات أو أخبار تتحدث عن التمهيد للتطبيع بين البلدين.
أنا هنا لا أناقش عملية التطبيع من حيث المبدأ، ولكنني أتساءل لماذا لم تسرب الصحف الإسرائيلية والمسؤولون مثل هذه المعلومات عن دول أخرى غير ليبيا.
لماذا جاء التسريب سريعاً بعد أيام من لقاء وزيرة الخارجية الليبية؟ ولماذا أكدت الحكومة من خلال وزير خارجيتها هذه التسرييات؟ لماذا لم تنف ذلك مثلاً؟
دولة الاحتلال تتكتم بشكل كبير على المعلومات ونظراً لظروفها في المنطقة هذا التكتم مهم جداً، وهي في الحقيقة نجحت في هذا المجال.
الأمر في اعتقادي بسيط ويتعلق أيضاً بالنقاط سالفة الذكر. الإسرائيليون يعلمون جيداً أنه لا توجد فائدة حقيقية من التطبيع مع ليبيا، وهم يعلمون أيضاً أنه من الصعب جداً أن تقام علاقات متبادلة وأن تفتتح إسرائيل سفارة في ليبيا وتمارس أنشطة تجارية على الأراضي الليبية، ولذلك ومن هذا المنطلق فإن المهم هو أن يحدث الاجتماع وأن يتم الإعلان عنه.
لماذا؟ لأن تاريخ ليبيا كدولة ممانعة وموقفها القوي ضد التطبيع خلال سنوات طويلة من التاريخ الحديث له أهمية قصوى ربما تفوق أهمية النفط والغاز.
الاجتماع كان خطوة فقط، باتجاه شيء يصعب تنفيذه ويصعب إنجاحه، وإعلان الخطوة الأولى هو الأهم وسيكون انتصاراً إعلامياً للدولة اليهودية، وسيقلل الحرج عن الدول التي أعلنت التطبيع أو الدول التي تسعى للتطبيع.
إقامة الاجتماع والتصريح به والإعلان عنه هو الهدف المقصود - في اعتقادي - وهو انتصار معنوي عاطفي إعلامي لفكرة التطبيع، وكسر لحاجز الرهبة والرفض تجاه فكرة التطبيع سواء في ليبيا أو في المنطقة.
لم تكن الخطوة الإسرائيلية موجهة ضد حكومة الوحدة الوطنية، كما يظن بعض المحللين، فالحكومة حكومة انتقالية ولا تهم إسرائيل، ولكن المهم هو إعلان أن حكومة دولة عربية كانت من أشد معارضي التطبيع قد اجتمعت مع إسرائيل، وهذا الأمر المهم لكسر الرهبة النفسية والترويج للفكرة وتحقيق انتصار معنوي، أما التطبيع في حد ذاته فهو فكرة غير مفيدة ولا جدوى منها سواء لإسرائيل أو ليبيا، وهي غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.