عام على طوفان الأقصى
مرّ عام على عملية طوفان الأقصى، تلك التي هزّت المنطقة العربية ووضعت قضيّة فلسطين مجدّداً على رأس أجندة الاهتمام. ومع اقترابنا من الذكرى السنوية الأولى، نُقدّم مُراجعة موضوعيّة لِجردة حساب هذا العام، مُسلّطين الضوء على السلبيّات والإيجابيّات التي كشفت عنها الأحداث في مجتمعاتنا العربية.
السلبيات
(1) الانفرادية السياسية:
لاحظنا في الآونةِ الأخيرة ميلاً مُتزايداً لدى الشعوب العربيّة للتركيز على قضاياها الداخلية، مُهملةً القضايا الإقليمية والعالمية. وهذا التحوّل، وإن كان مفهوماً في ظلّ الحاجة للاستقرار والسلام الداخلي، إلا أنّه يُثير القلق في ظلّ الأزمات، كالحروب والعدوان الخارجي التي تتطلّب تضامناً إقليمياً. تُثير هذه الانفراديّة أو الأنانيّة السياسيّة تساؤلات مُقلقة حول هُويّة المستفيد من هذا التوجّه.
(2) غياب التحرّك الطلابي:
لم تشهد الجامعات والمعاهد العليا العربيّة احتجاجات مُماثلة لما حدث في الجامعات الغربيّة. وغياب دور الحركات الطلابيّة في الدول العربية يُعدّ مؤشّراً مقلقاً، خاصةً وأنّ الجامعات تُعدّ نبض المجتمعات. يُمثل هذا الغياب تراجعًا كبيرًا في الوعي السياسي والاجتماعي، ويُلزمنا بإعادةِ إحياء دور النقابات الطلابيّة، ليس فقط من أجل قضايا التعليم، بل لتحفيز المشاركة الفعالة في القضايا الوطنيّة والإقليميّة.
(3) غياب النقابات العماليّة والمهنية:
أصبحت النقابات العماليّة والمهنيّة في العديد من الدول العربيّة عاجزة أو مهمّشة إلى حدٍّ كبير. ويعكس الشلل الذي أصاب هذه المؤسّسات تراجع دورها في الوقوف مع القضايا المجتمعيّة الكبرى. فإذا كانت عاجزة عن دعم قضايا قوميّة مثل قضيّة فلسطين، كيف سيكون بوسعها غداً المطالبة بتحسين الأجور أو توفير ظروف عمل أفضل؟ هذا التهميش يُضعف ليس فقط هذه النقابات، بل أيضًا يُشجّع على ترسيخ ثقافة اللامبالاة لدى الأفراد.
غياب دور الحركات الطلابيّة في الدول العربية يُعد مؤشّراً مقلقاً، خاصةً وأنّ الجامعات تُعدّ نبض المجتمعات
(4) لوم الفلسطينيين:
برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة "صهاينة العرب"، وهي فئة من العرب الذين يتبنون السرديّة الإسرائيلية ويدعمون الكيان، علناً أو سرّاً. هذه الظاهرة لم تأتِ من فراغ، بل هي جزء من استراتيجيّة متعمّدة لتشتيتِ الانتباه وتشويه صورة المقاومة الفلسطينيّة. إعطاء هذه الفئة صوتاً كبيراً في وسائل الإعلام العربيّة يعكس تواطؤ بعض الأنظمة مع السرديّة الإسرائيليّة بهدف تبرير القمع والعدوان.
(5) الحرب الإلكترونية:
بدا جليّاً تفوّق الكيان في استخدام التكنولوجيا بطرق ووسائل لم تكن مألوفة من قبل. وهذا يستدعي معالجة طارئة بتوفير الكوادر القادرة على مجاراة هذا التطوّر واستخدامه بالصورة المثلى.
وأمّا في ما يتعلّق بالإيجابيات، فنقول:
(1) ضعف العدو "من المسافة صفر":
من الدروس المهمّة التي يمكن استخلاصها من الأحداث الأخيرة هو أنّ العدو ضعيف جدّاً في المواجهات المباشرة، ويعتمد بشكلٍ كبير على التكنولوجيا المتقدّمة. هذه الحقيقة تظهر في كلِّ مرّةٍ تحدث فيها مواجهة مباشرة على الأرض بين الفلسطينيين والقوّات الإسرائيليّة. بالرغم من القوة العسكريّة الهائلة التي يتمتّع بها الكيان، فإنّ قدرته على فرض سيطرته تضعف في الاشتباكات القريبة. هذا الدرس يجب أن يكون دافعًا للعرب للتركيز على العلم والبحث العلمي في مجالاتِ التكنولوجيا المتقدّمة، وخاصة العسكريّة، حتى يتمكنوا من تقليص الفجوة التكنولوجيّة مع العدو.
الكيان الإسرائيلي لا يزال كالسرطان الذي لا يمكن للجسد التعايش معه رغم كلّ محاولات التطبيع
(2) المقاطعة سلاح فعال:
إنّ تجربة المقاطعة الاقتصاديّة تظهر بوضوح أنّها سلاح لا يمكن الاستهانة به. والعديد من الشركات الإسرائيليّة تأثّرت بشكلٍ كبير من حركات المقاطعة العالمية. هذه الوسيلة تتيح للشعوب العربيّة والإسلاميّة فرصة للضغط على الكيان دون الحاجة إلى مواجهة الأنظمة الحاكمة المطبّعة مع الكيان. يجب أن تستمر هذه الحملة وتتسع، وأن يُفضح كلّ من يتعاون مع الكيان، اقتصادياً أو سياسياً.
(3) فلسطين في قلب الشعوب العربية:
على الرغم من كلّ التحديات، تبقى فلسطين في قلب الشعوب العربيّة والإسلاميّة. والكيان الإسرائيلي لا يزال كالسرطان الذي لا يمكن للجسد التعايش معه رغم كلّ محاولات التطبيع.