إنصاف الذكاء الاصطناعي
أذكر أن أوّل مرّة سمعت فيها بمفهوم الذكاء الاصطناعي كانت في عام 2006 خلال مؤتمر عُقد في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا في دمشق. تحدّث المحاضر حينها عن الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى قدرته المستقبلية على تقديم حلول مبتكرة استنادًا إلى بيانات محدودة. كان الحديث يدور حول مكوّنات أحد مستحضرات التجميل، وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي كشف أسرار الشركات حول النسب الدقيقة لكلِّ مكوّن من مكوّنات هذه الوصفات أو المستحضرات.
واليوم، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا، متوغلاً في جميع المجالات تقريبًا، من وسائل النقل و منصّات التواصل الاجتماعي إلى مجالات التعليم والأمن والدفاع. وُجِد الذكاء الاصطناعي لمساعدة البشر وتوفير الوقت، لكنه كأيِّ اختراع آخر يمكن أن يُستخدم لأغراض نافعة أو ضارة، حسب نيّة مستخدمه وتوجيهاته. وعلى الرغم من تقدّم التقنية، يبقى الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة لا تملك القدرة على التمييز بين الخير والشر، بل تتبع مشغّلها في تنفيذ المهام المطلوبة.
تتجلّى هنا التساؤلات حول أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي ونسب محتواه إلى البشر. فعند تحليلي لمقال اقتصادي منشور على أحد المواقع العربية المرموقة، اكتشفت، عبر أداة كشف محتوى الذكاء الاصطناعي، أنّ معظم أجزاء المقال كُتبت باستخدام الذكاء الاصطناعي. فمتى يصبح من الضروري على الكاتب أو المدوّن الإشارة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى؟ هل يكفي أن نطرح الفكرة ونترك الذكاء الاصطناعي ليُكمل المقال، ثم ننسبه لأنفسنا بعد إجراء بعض التعديلات؟ شخصيًا، أرى أنّ الإشارة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية الكتابة هي جزء من الأمانة العلمية، ويجب أن يُعطى حقّه إذا ساهم بشكلٍ كبيرٍ في إنتاج المقال.
هناك أدوات ذكاء اصطناعي تسعى إلى إضفاء "صفة بشرية" على النصوص المكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعي للالتفاف على أدوات الكشف
مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، قد تلجأ دور النشر إلى استخدام أدوات كشف محتوى الذكاء الاصطناعي قبل نشر المقالات لضمان أصالتها، وقد تفرض قيودًا على المحتوى الذي يمكن أن يُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تبقى بعض التحديات قائمة، فهناك أدوات ذكاء اصطناعي تسعى إلى إضفاء "صفة بشرية" على النصوص للالتفاف على أدوات الكشف.
قريبًا، سيصدر قانون في الاتحاد الأوروبي يفرض قيودًا وضوابط على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ويلزم دور النشر باستخدام أدوات للكشف عمّا إذا تمّ الاستعانة بالذكاء الاصطناعي أم لا. ومن الضروري أن تبدأ الدول العربية بسنّ وإقرار قوانين مماثلة.
في الختام، أرى أنّه من الضروري وضع ضوابط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة المحتوى. فإذا كان المقال عالي الجودة، ذا فكرة قيّمة، وخضع للتنقيح المناسب، وتمّ الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في إنتاجه، فلا مانع من ذلك، لأنّ المصدر يظلّ بشريًا، ويُعزى الجهد البشري في إيجاد الفكرة والتأكد من جودة النص ومراجعته. ومع ذلك، أعتقد أنّه عندما تتجاوز مساهمة الذكاء الاصطناعي 50% من المحتوى مثلا، تجب الإشارة إلى ذلك في نهاية المقال حفاظًا على الأمانة العلمية.