سيرة السكري والسكريين

04 مايو 2018
+ الخط -
حينما يفتح صديقي الظريف أبو النور سيرةً تتضمن حكاياتٍ كثيرة، كان يسميها (الملف). ذات مرة، وبعد أن روى لنا حكايتين أو ثلاثاً عما جرى معه بهذا الخصوص، اقترح أحد الحاضرين عليه تغيير مجرى الحديث، فقال له أبو النور:
- خلينا فاتحين "ملف" السكري.

وبدأ يسرد علينا حكاية صديقه وزميله في السكري "أبو النوف" الذي قرر أن يعاقب نفسه بحرمانها من أطايب الطعام، النشويات والدهون والحلويات، ليجبر السكري اللعين على التراجع إلى أدنى نسبة يمكن أن توجد حتى لدى الإنسان غير المصاب. وفي يوم من الأيام ذهب إلى مخبر التحليل وطلب من الدكتور "حكمت" أن يعاير السكري في دمه، وبعد المعايرة طلعت النتيجة 320 ملغراماً. فقال لحكمت:
- اسمعني منيح دكتور، أنا ما بدي أروح عند دكاترة غيرك، لأنهم بالآخر بدهم يبعتوني لعندك.. أخي، أنت أعطني الوصفة اللازمة وأنا أتقيد بها.


فأعطاه وصفة غذائية مطبوعة تستخدم لمدة ثلاثة أشهر، قَوَام الغذاء فيها الخضار وصدر الدجاج المسلوق، وبعض الفواكه الخالية من السكريات. قال أبو النوف، ثلاثة أشهر لا تكفي، سأطبق الوصفة على نفسي سنة كاملة، ثم آتي إليك لكي تحلل دمي وترى بنفسك كيف أنني استطعت أن أخفض النسبة إلى ما تحت 120 ملغراماً.
قال الدكتور حكمت، بلطفه المعهود: إن شا الله.

بعد التزام أبو النوف بالحمية الصارمة سنة كاملة، استيقظ في الصباح فرحاً، فرك يديه ببعضهما من فرط التفاؤل، ونزل من البيت على الريق، ومضى باتجاه مخبر الحكيم.. ولكن فكرة عبقرية خطرت بباله وهو في الطريق، فما كان منه إلا أن عاد القهقرى باتجاه محل محمد ناجي عاشور المتجه على القبلي بجوار أسعد حلاق بياع اليانصيب، واشترى قرصين من الشعيبيات المحشوة بالقشطة العربية، وضعهما في كيس من النايلون، وترك فوهة الكيس مفتوحة وطلب من أبو الناجي أن يسكب له فوقهما مغرفتين من القَطْر، ثم ربط الكيس، ومشى باتجاه المخبر، محدثاً نفسه بأن الدكتور حكمت سوف يحلل دمه، وسينظر إلى النتيجة مندهشاً، إذ لربما تكون النسبة قد نزلت إلى حدود 70 ملغرام، وسيقول له إن الانخفاض الحاد بالسكري خطير على الصحة، فالسكري يجب أن يبقى ضمن الحدود الطبيعية، ولا بد أن يطلب منه تناول قليل من الحلوى لرفعه إلى الحدود الطبيعية، ووقتها سيفتح الكيس ويتناول القرصين اللذيذين المغطسين بالقطر، وتنتعش نفسه المحرومة من الحلو.

قال أبو النور: ولكن ما حصل كان أمراً مفاجئاً، فالدكتور حكمت كان ينظر إلى نتيجة التحليل ثم إلى أبو النوف الذي راح ينظر إلى وجه الدكتور ويلاحظ الاستياء مرسوماً عليه، قال أبو النوف بخوف:
- أيش المشكلة دكتور؟
قال الدكتور: بدنا نعيد التحليل. يمكن يكون في غلط. طالعة عندك نسبة السكري 390.
ههنا أخرج أبو النوف الكيس الذي وضع فيه الشعيبيات، وشرع يلوح به في الهواء، ثم قذفه من النافذة إلى الشارع!
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...