سمر رمضاني... عشق ومعشقة وكَرّ وفَرّ (4)

24 مايو 2018
+ الخط -
اليوم الثامن من رمضان. الموافق لسنة 2005.
قال كمال الطبنججي: وأنا أيضاً أريد أن أتحدث عن الحب. لأن حكاية أبي الجود مع المعلمة الفرنسية، بصراحة، أعجبتني.

قلت له: على علمي يا أستاذ كمال أن المرحوم أباك قد أعطاك في صغرك ثلاث جرعات من اللقاح الواقي من الحب، فلا تقل لي إنك وقعت فيه بالرغم من كل هذه اللقاحات!

قال: لن أحكي عن تجربة شخصية.. وإنما في العموميات. أعتقد أن سيجموند فرويد هو الذي تكلم عن اللذة المترافقة بالألم. في اعتقادي أن الحب في البلدان الشرقية قد سبب للناس ويلات وآهات وحسرات لا تعد ولا تحصى. وإنني لا أنسى أبداً التمثيلية التي كتبها أخونا أبو المراديس عن قصة للأديب الراحل أديب النحوي بعنوان "العاشق". ففي تلك التمثيلية شاب لا يقبل أن يتزوج دونَ "تجربة حب"، وهو يعيش في بيئة حلبية شعبية، لا تعترف بالحب، بل تعاقب عليه بشدة. مشاهد طريفة جداً ترافقت مع الخطوبات التي قامت بها أم الشاب وعمته، وكل خطوبة كانت تنتهي بالضرب والطرد، وقد تطور الأمر إلى إطلاق النار وتكسير الأبواب والنوافذ حينما تأكد والدُ الفتاة التي أحبته من أن الحب قد وقع. وقد بلغت الكوميديا أوجها حينما كان الأهل يقولون: إذا أرادها للزواج فأهلاً وسهلاً، وأما الحب.. أعوذ بالله من الشيطان. يقول الأهل: طيب نحن نقول حب وزواج.. فيقولون (أبداً، زواج فقط! الحب ممنوع).


قلت: من مدة قريبة اطلعت على قصة قصيرة مترجمة عن الأدب الإيرلندي. أعتقد أن الكاتب اسمه فاولين، أو ربما ليام فلاهيرتي. المهم، أن الكاتب يختار لقصته زاوية نظر غريبة عجيبة. رجل في الثمانين من عمره، جالس على التراب في أحد البساتين، وهو خرف فاقد الذاكرة تقريباً، يبحث عن علبة تبغه فلا يجدها. في هذه الأثناء تمر به امرأة في حوالي الخامسة والستين من عمرها. تحملق فيه ملياً، ثم تعرفه. وهل يخفى عليها الرجل الذي أحبته وأحبها بجنون قبل خمسين سنة؟ المرأة تسلم عليه، وتستأذنه بالجلوس، فيقول: لا مانع، ويستمر في البحث عن علبة تبغه.

تقول له المرأة: أنا فلانة، فينظر إليها، ويتساءل: ماذا يعني أن تكوني فلانة أو علانة؟ المهم أن لك اسماً تُعرفين به.

نظرت المرأة حولها، فوجدت علبة التبغ موجودة في متناول يده وبصره، فقدمتها له، وحاولت تذكيره بأن اسمها يعني له شيئاً، دونما جدوى. فشرعت تحكي له تفاصيل عن لقائهما الأول، والحب الصاعق الذي نشأ بينهما. فقال: حب؟ ولماذا الحب؟ ثم إنه خرج عن الموضوع قائلاً:
- أحفادي سيئون جداً، دائماً يسرقون مني علبة الثقاب.

قالت المرأة: لقد كنتَ قوياً جداً، وعنيداً جداً، ولأجلي كدت أن ترتكب جريمة. ألا تذكر يوم رفض أبي تزويجي لك ماذا فعلت؟

مسح الرجل أنفه بمنديله، وضحك وقال: أبوك ماذا يشتغل؟ وهل ما يزال حياً؟
قالت: لقد هددتَه أنت بأنك سوف تتزوجني شاء هو أم أبى، ثم إنك غادرت منزلنا وأنت تحرق الأخضر واليابس من شدة الغضب. وفي الليل.. آه! لقد تقصفت ركبتاي ليلتها من الخوف. جئت ومعك ثلاثة من الفرسان الشجعان، وكَرَرْتُم على منزلنا، وأخرجتني من الداخل بقوة.. ولكنك كنت شهماً جداً، فما إن تحقق لك النصر على أسرتي حتى أطلقت سراحي، وتوعدتهم بالعودة إن لم يرضخوا للأمر الواقع ويعطوني لك بسلام.

قال الختيار: ثمة أناس مجانين يلجؤون إلى العنف من أجل موضوعات لا قيمة لها.
قالت: كيف لا قيمة لها؟ إنها من أجلي. من أجل الحب.
فضحك وقال له: مَنْ يغامر بروحه من أجل شغلات فاضية هو إنسان مجنون حاشاك! أنا الحمد لله عقلي في رأسي.

ويستمر الحوار على هذا النحو العقيم، إلى أن تحصل المفاجأة الأخيرة من القصة: أحفاد الرجل يبحثون عنه في كل مكان، فهو في العادة يشرد عن الأسرة ولا يعرفون إليه طريقاً!!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...