زمن الفراشات
في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1960، في جمهورية الدومينيكان، وبأوامر مباشرة من ديكتاتورها آنذاك رفائيل تروخيو، جرى قتلهن أثناء عودتهن من زيارة أزواجهن في المعتقل، عن طريق مافيا سرّية تعمل لصالح الديكتاتور، باستخدام الهراوات وسط مزارع السكر. وفي عام 1999، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار يوم 25 من نوفمبر يومًا لمناهضة العنف ضد النساء في العالم، وصارت الفراشات رمزًا للمقاومة الشعبية والنسوية.
كانت الصفعة التي تلقاها الديكتاتور تروخيو في قصره، وعلى وجهه، من مينرفا (واحدة من الفتيات الثلاث اللواتي قُتلن) بعد محاولته التحرّش بها جنسيًا، هي الشرارة الأولى للعداء والانتقام، وأيضًا للتمرّد والتحريض ضد تروخيو. حكم تروخيو الدومينيكان مدة 30 عامًا، من 1930 حتى 1961، وجرى اغتياله على يد مجموعة مسلحة بمساعدة المخابرات المركزية الأميركية، وهو الذي تربّى وتعلّم على يد المارينز الأميركي.
الأخوات الثلاث هن باتريسيا، ماريا ومينيرفا، وكانت لديهن أخت رابعة اسمها ديدي، لكنها لم تشاركهن النضال السياسي المباشر، وإن قدمت لهنّ الدعم دائمًا. وهي الناجية الوحيدة من عملية الاغتيال، لأنّها لم تكن معهن في زيارة المعتقل. لاحقًا، كتبت ديدي قصة أخواتها الثلاث في كتاب حمل عنوان "يعيشون في حديقتي"، وحوّلت منزلها إلى متحف باسم أخوات ميرابال، وهو البيت الذي سكنته الأخوات في أعوامهن الأخيرة. وفي عام 2001، أُنتج فيلم يحمل اسم "في زمن الفراشات" عن رواية بنفس الاسم للكاتبة الأميركية من أصول دومينيكانية جوليا ألفايز، والفيلم من بطولة سلمى حايك.
اغتيال الأخوات ميرابال هو الذي سرّع في نهاية حكم الديكتاتور تروخيو، هذا النظام الذي سجن وعذّب وقتل آلاف الناس في جمهورية الدومينيكان. لقد انتصرت الفراشات على واحد من أبشع الأنظمة الوحشية التي شاهدها العالم في القرن العشرين.
في كلّ الأنظمة الديكتاتورية يتم تعذيب وقتل النساء، كجزء من عملية أساسية، وهي قتل بذور التمرّد وإشاعة الخوف في صدور الناس
بدوره، الروائي البيروفى ماريو بارغاس يوسا، وفي روايته "حفلة التيس"، استعاد حكاية الديكتاتور، وكتب ببراعته المعتادة عن بلد يرزح تحت حكم وحشي، هو الذي حوّل المدينة إلى نصب تذكاري باسمه، فحوّل اسم العاصمة من سانتو دومينغو الى تروخييو تمجيدًا لذاته، وهو الذي يرى نفسه في كلّ شيء، فهو الوطن، وهو الدولة، وهو رسول الله للبشر. ويكتب يوسا أيضا عن كتيبة الإعدام التي خلّصت البلد من هذا الطاغية: أنطونيو دي لامثا وأنطونيو إمبرت وأماديتو غارثيا وسلفادور إستريا سعد الله.
في كلّ الأنظمة الديكتاتورية، تُعذّب وتُقتل النساء كجزء من عملية أساسية، وهي قتل بذور التمرّد وإشاعة الخوف في صدور الناس. النساء هدف لعنف كلّ الأنظمة الديكتاتورية والأنظمة الدينية، لكون هذه الأنظمة ذكورية وأبوية وكارهة للنساء، ولأنّ النساء بإمكانهن تقديم نموذج تشاركي أكثر للحياة، ولهن قدرة على تقويض الأنظمة الذكورية. العقل الذكوري يستهدف النساء في حرّيتهن، وفي أجسادهن، وفي معيشتهن، ويتصاعد العنف ضد النساء في كلّ المنطقة، في سورية والسودان واليمن ومصر والعراق والجزائر... وبالطبع في فلسطين على يد الاحتلال الصهيوني.
في كل عام، من 25 نوفمبر حتى 10 ديسمبر، وهو يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخلال هذه الأيام الـ16، تحاول النساء توعية العالم بالعنف الذي يتعرّضن له، وبكافة الأشكال: منزلي وجنسي واقتصادي وسياسي...
وفي النهاية، يمكن القول إنّ الفراشات لا تزال تحوم في العالم من أجل الحلم بمجتمعات آمنة وعادلة للجميع.