ريشي سوناك.. أسود أم أبيض؟

03 نوفمبر 2022
+ الخط -

ليس لون البشرة مهماً، ولا عنوان المقال عنصرياً، بل هو محاولة لاستكشاف محاولة الإجابة عن سؤال: هل انتهت العنصرية في الغرب؟ وهل للسود والأقليات المختلفة الدينية والإثنية، الحظوظ ذاتها في التنافس على المناصب العليا في قيادة تلك البلدان؟

منذ انتخاب ريشي سوناك رئيساً لحكومة المملكة المتحدة يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يحتدم الجدل بين وجهتي نظر: الأولى تقول بنجاح الغرب في دمج الأقليات، وإتاحة فرص متساوية لهم في كلّ الحقوق والواجبات، وفي التنافس على القيادة وغيرها. والثانية ترى أنّ هذه الأقليات التي تتصدر في بعض البلدان الغربية، ليست إلا أقليات مزيّفة لا تعبّر عن جذورها، بل هي بيضاء المضمون، في الفكر والانتماء والهوية، ولو لم تكن كذلك، لما جرى تصعيدها.

الحقيقة أنّ ثمّة خطوطاً متداخلة. ففي جانب من هذه المسألة، يمكن القول إنه لولا الديمقراطية والآليات التي ترسيها، لما أتيح لأحد المواطنين من الأقليات في تلك البلدان الانضمام أصلاً إلى الأحزاب والمشاركة السياسية والتدرّج فيها وصولاً إلى الرئاسة أو رئاسة الحكومة، وهذا ينطبق على حالة ريشي سوناك، الذي قال في تصريحات عديدة، إنّه تعرّض لعنصرية جرّاء أصوله الهندية، فقرّر الانخراط في السياسة لتغيير تلك النظرة، وكذلك الحال في الولايات المتحدة الأميركية التي قادها رئيس أسود من أصول أفريقية، وأعني هنا باراك أوباما، لدورتين متتاليتين.

محاولة حزب المحافظين تعيين وزراء من أصول مهاجرة، لكنهم يمينيون متطرفون، لن يحل أزمة العنصرية، إنما هي خديعة لن تقنع أحداً

هذا بالضرورة لا يعني أنّ الغرب تجاوز عقدة العنصرية وازدواجية المعايير كما يقول أصحاب الرأي الثاني، والدليل على ذلك حالة سوناك نفسها. فعلى سبيل المثال، لم تنتخب قواعد حزب المحافظين سوناك، بل أنتخبه نواب الحزب في البرلمان، وفي ظروف خاصة. وتعزو كثير من التحليلات ذلك إلى أنّ هناك ترسبات عنصرية ما زالت مترسخة لدى ناخبي الحزب وقواعده، يشكّل البيض وكبار السن ما نسبته 97% منها، وهم من الطبقة الغنية، والرافضة للأقليات. أيضاً، إنّ نوعية من تُتاح لهم فرصة الوصول إلى المناصب العليا من الأقليات، هم بالضرورة أبناء المؤسسة والمتشرّبين بأفكارها والمدافعين عنها كحال سوناك ذاته، الثري والمعادي للهجرة والمناصر لإسرائيل، الأسمر بشرةً والأبيض فكراً وممارسة.

ولو أردنا ضرب مثال آخر من بريطانيا على الأقليات "المزيفة"، تبرز وزيرتا الداخلية الحالية والسابقة. فكلتاهما مهاجرة، وكلتاهما معادية للمهاجرين. الأولى هي المتطرفة سويلا برافرمان، التي جعلت طرد المهاجرين حلم حياتها، ووصفت قدومهم بـ"الغزو"، ليردّ عليها وزير الهجرة الأبيض، روبرت جنريك، مطالباً إياها بالتوقف عن ذلك، رافضاً شيطنة المهاجرين. وقبله الملك تشارلز عندما كان ولياً للعهد، الذي انتقد هو الآخر خطط ترحيل اللاجئين التي كانت تشرف عليها وتنظّر لها وزيرة الداخلية السابقة والمهاجرة هي الأخرى، بريتي باتيل. فالعنصرية إذاً عابرة للألوان والهويات، وبالتالي إنّ محاولة حزب المحافظين تعيين وزراء من أصول مهاجرة، لكنهم يمينيون متطرفون، لن تحل أزمة العنصرية، بل هي خديعة لن تقنع أحداً.

وجود الآلية الديمقراطية والإجماع عليها، هو منجز انتُزع جرّاء نضال طويل الأمد، وينبغي الإشادة به 

وفي حالة حزب المحافظين في بريطانيا تحديداً، تبرز النزعة اليمينية بجلاء، ووفقاً لتقرير نشره البروفيسور تيم بيل، عام 2018، فإنّ 97% من أعضاء حزب المحافظين "بريطانيون بيض"، وهم طبقة غنية، غير مرحبة بالمهاجرين. والبروفيسور بيل مدير مشروع "أعضاء الأحزاب" المشترك بين جامعة "كوين ماري أوف لندن" وجامعة "ساسكس".

بالمحصلة، هل يمكن القول إنه لا توجد ديمقراطية، وإنّ كلّ تلك مسرحية؟

لا أتفق مع هذا الرأي، لأنّ الديمقراطية في أحد تمظهراتها صراع معقد، طويل الأمد، تتداخل فيه مؤثرات ومصالح وعوامل عديدة، لكن في النهاية وجود الآلية الديمقراطية والإجماع عليها، هو منجز انتُزع جرّاء نضال طويل الأمد، ينبغي الإشادة به وبآلياته جنباً إلى جنب مع مواصلة المطالبة بالتوقف عن تشويه صورة الديمقراطية، والمطالبة بتكريس عادل وناجز للعدالة والمساواة للجميع، والتنبيه وكشف زيف تلك المحاولات التي تقودها بعض الأحزاب اليمينية بتصعيد أقليات في محاولة لخديعة الأقليات، ففي اللحظة التي يكون فيها الوصول إلى السلطة رهيناً بشروط غير ديمقراطية، تزيد عمليات التجميل من بشاعة المشهد بدلاً من تجميله.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.