دروس من معركة طوفان الأقصى
إنّ النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في معركة "طوفان الأقصى" سوف يدرّس للأجيال المقبلة أسوة بالمعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي، بل والإنساني، فهي معركة بين الحق والباطل، تغلّبت فيها القلّة المستضعفة التي استعانت بالله عز وجل على الكثرة المتجبرة، والمستكبرة، والمدعومة عالميًا.
فالنصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في 7 من أكتوبر/ تشرين الأوّل هو نصر من عند الله عز وجل، يقول تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (سورة آل عمران: 126). ويقول الله عز وجل: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (سورة آل عمران: 160).
فكلّ الحسابات البشرية لم يكن فيها أيّة مؤشرات تدل على إمكانية انتصار المقاومة المحاصرة في غزة منذ سنوات على جيش الاحتلال الذي زعموا كذبًا وزورًا أنّه لا يُقهر، ولم يتخيّل أحد أنّ مئات من رجال المقاومة الشجعان يمكن أن يُذلّوا جيش الاحتلال ويمرّغوه في الوحل خلال ساعات معدودات.
ومعركة طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية، وبعثتها من رقادها، وأعادت إليها الزخم والاهتمام العالمي، وأوقفت قطار التطبيع الذي مرّ بعدد من المحطات العربية، وأوشك أن يصل إلى بلاد الحرمين الشريفين.
ومجريات هذه المعركة المباركة حطّمت أسطورة إسرائيل، ذلك الكيان اللقيط الذي صنعه الغرب على عينيه، والورم الخبيث الذي زرعوه في قلب المنطقة العربية.
والنصر الذي حققته المقاومة، تحقّق بفضل الإيمان القوي والعقيدة الراسخة، والثقة بوعد الله عز وجل بنصر عباده المؤمنين، يقول الله عز وجل: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (سورة غافر: 51).
من أعظم الدروس المستفادة من معركة طوفان الأقصى درس الكتمان، وذلك عملًا بما ورد في الأثر: "استعينُوا على إنجاحِ حوائِجِكُمْ بالكتمانِ" (أخرجه الطبراني في المعجم الصغير).
لم يتخيّل أحد أنّ مئات من رجال المقاومة الشجعان يمكن أن يُذلّوا جيش الاحتلال ويمرّغوه في الوحل خلال ساعات معدودات
ولو أنّ المقاومة أعلمت محور الممانعة بنيّتها وخطتها لمهاجمة إسرائيل كما حدث في 7 من أكتوبر/ تشرين الأول، لفقدت حماس خيرة رجالها في ذلك الهجوم، ولباعها هذا المحور للولايات المتحدة ولإسرائيل، أو على أقل تقدير لأفشل خطتها في الهجوم على الكيان الصهيوني، وقد صرّح قيادي بارز من حركة حماس بأن الحركة لم تُطلع أحدًا على مخطّط الهجوم، وهو ما ضمن للعملية السرية وكلّلها بالنجاح.
وعلى الرغم من أنّه "لا يفتي قاعد لمجاهد"، إلا أنّنا نعتقد أنّ المقاومة كان ينبغي أن تكون أكثر حذرًا، وألا تظهر الأنفاق أو فتحاتها أثناء تصوير عملياتها ضد جيش الاحتلال، أو تسمح بتصويرها كما فعلت مع مراسل قناة (TRT)، لأنّ ذلك قد يكون طرف خيط للعدو الصهيوني وداعميه، الذين يخضون حربًا ضد الأشباح كما يقولون، وبما يشكل خطرًا داهمًا على المقاومين في حال اكتشافها، فيما أنّ طائرات الاستطلاع الأميركية تحلّق فوق قطاع غزة بهدف جمع المعلومات عن المقاومة، وعن الأنفاق وأماكن احتجاز الأسرى.
إنّ معركة مثل معركة طوفان الأقصى لم تأت من فراغ، ولم تكن وليدة الصدفة أو محاولة عشوائية لاستهداف جيش الاحتلال الصهيوني، فقد تمّ التخطيط لها بكلّ مراحلها وتفاصيلها، وأديرت بطريقة احترافية، مثلت صدمة مرعبة للعدو الصهيوني ولداعميه والمساندين له، ومفاجأة سارة لمؤيدي وداعمي المقاومة. والتخطيط والتنفيذ كانا من جانب قادة المقاومة ورجالها، أمّا التوفيق فكان من الله عز وجل، وهو الذي لا يضيّع أجر من عمل.
والتخطيط المسبق للهجوم تضمّن معرفة أماكن المراقبة والتشويش على الاتصالات، والاستفادة من عنصر المفاجأة في الهجوم وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.
وشمل التخطيط أيضاً طرق مواجهة التصدي للهجوم البري الذي تلكأ فيه قادة الكيان الصهيوني، وتريثوا فيه بناء على نصائح حلفائهم الأميركان، ومع إصرارهم على التوغل البري كانت المقاومة جاهزة، وكبدت جيش الاحتلال الغاصب خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
والتخطيط الجيّد شمل أيضًا ملف الأسرى، سواء كان ذلك أثناء مرحلة السيطرة عليهم واحتجازهم، أو الاحتفاظ بهم في قطاع غزة، وهو من أهم الأهداف في هذه المعركة، لأنّه سيمكّن قيادة المقاومة من الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وبخاصة النساء والأطفال.