حَياةُ اللاجئين بينَ كتمانِ ألم المعيشة والترحيل
يَعيشُ عددٌ كبيرٌ منَ اللاجئين في المخيّماتِ في مناطقَ مختلفة، وتَختلفُ حياتهم من دولةٍ لأخرى، بحسبِ المقوّماتِ المتوفرة لهم في مخيماتِ اللجوء.
إذ يُوجدُ الكثيرُ منَ اللاجئين في المخيّمات لا يستطيعونَ الحصولَ على حقوقهم اليومية، كالمياهِ النظيفة والغذاء الصحي، والحق في المسكنِ الآمن وخصوصية المسكن، والتَنقُل بِحُريّة وسطَ تخوّفاتٍ منَ الترحيلِ وصعوبة تأمينِ مستقبلٍ مُستقر، فالأوضاعُ الاقتصادية والأمنية تضعُ اللاجئينَ تحتَ ضغطٍ هائلٍ، مع ارتفاعِ تكاليف المعيشة وضُعفِ فرصِ العمل، ممّا يزيدُ من مُعاناتهم في مواجهةِ أعباء الحياة اليومية.
حيث يُعتبر الوضع الحالي للاجئين في العالم صعبًا للغاية، فغالبًا ما يُواجهونَ التمييز والعنف، بما في ذلك العنف الجنسي، ورُبما يواجهون صعوبة في إيجادِ طرقٍ آمنة وقانونية لدخولِ بلد جديد، وهم كذلك قد يحرمون من الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والعمل، مع ذلك، هناك أيضًا عدد من المنظمات التي تعمل لمساعدة اللاجئين وهناك وعي متزايد بضرورة حمايتهم.
فكانَ استقبال اللاجئين في أوروبا والغرب مُختلطًا، بعض البلدان مُرحِّبة وداعمة، بينما كانت بلدان أخرى أكثر تقييدًا.
ويُشَكّلُ الاندماجُ طويلُ الأمدِ للاجئين صِراعًا، إذ غالبًا ما يُواجه اللاجئون حواجز لغوية واختلافات ثقافية ونقصًا في الفرص، ولعلّ من أكثرِ حالات اللجوء الإنساني مأساوية حالات اللجوء الفلسطيني، حيث لم يصادر الاحتلال حقَ الإنسان في وطنه وفي تقرير مصيره فحسب، بل حقه في العودة إلى أرضه وذلك بحرمانه من حق جماعي وفردي.
وفي بعض البلدان، لا يزال يعيش نحو خمسة ملايين لاجئ وتتعرض حقوقهم الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للانتهاك، ولا سيّما حقوقهم الجماعية، وفي المقدمة منها حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة، إضافة إلى حقهم في العودة الذي هو غير قابل للتنازل، تلك الحقوق التي كفلها القرار الدولي رقم 194 لعام 1948.
وعلى سبيلِ المثال، كانت مأساةُ اللاجئين العراقيين طويلةً ومُضنية، وقد استمرت ما يزيد على ثلاثة عقود، فقد كانت هجرتهم الأولى لأسباب سياسية شملت بضعة آلاف في أواخر السبعينيات.
وفي فترة الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988 اضطرّ عشرات الآلاف إلى الهجرة وطلب اللجوء بسبب الحرب، فضلًا عن تهجير الآلاف منهم وفقًا لقوانين متخلفة للجنسية بالعودة "إلى الأصول" السحيقة.
وكانت فترة الحصار الدولي الجائر من أكثر فصول اللجوء بؤسًا، وخصوصًا بفعل العامل الاقتصادي، حيث اضطر مئات الآلاف إلى طلب اللجوء السياسي والإنساني، ولكن فترة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وخصوصًا خلال فترة التطهير الطائفي المذهبي 2006-2007، كانت الأقسى والأسوأ، حيث شملت مئات الآلاف من اللاجئين في الخارج ومئات الآلاف من النازحين في الداخل.
وعلى الرغم من عودة الكثير من النازحين وبعض اللاجئين إلى العراق أو انتقالهم إلى بلدان لجوء بعيدة، فإن وضع اللاجئين العراقيين على الصعيد العالمي لا يزال مميّزًا ويشار إليه بالبنان، خصوصًا في سنوات ما بعد الاحتلال.
فاللاجئ هو الشخصُ الذي يتركُ بلده ويطلب اللجوء والإقامة في بلد آخر غير موطنه، وما يدفعه لذلك هو أسباب تتعلق بالحروب والنزاعات المسلحة أو الدينية أو الطائفية أو غيرها، أو لأسباب سياسية تتعلق بأفكاره ومعتقداته، تُسبّب له الملاحقة والاضطهاد، الأمر الذي يضطر معه إلى مغادرة بلده طلبًا للجوء وتأمينًا للحماية، وأحيانًا لأسباب اقتصادية تتعلق باستشراء الفقر وانعدام سوق العمل وتردي الوضع المعيشي واستحالة العيش دون موارد.
إنَّ سُلوكَ الزوج العنيف لم يعُد مقبولًا في المجتمعاتِ الأصلية للوافدين الجُدد في الدول الأوروبية أيضًا وهو دافع نحو قرار اللجوء بالنسبة للزوجة، فَبِمُجرد الانتقال إليها، تَختَلفُ القضية، وتصبح الزوجةُ في موضعِ قوّة بدعم القانون، فتطلُب الانفصالَ أو الطلاق في بعض الحالات. وعلى سبيل المثال، أذكُرُ حالةَ شخصٍ كنتُ أعرفه على وسائل التواصل الاجتماعي اسمه أيهم، الذي كانَ على أملِ رؤيةِ أولاده بعدَ أن فارقهُما بسبب طلب زوجته الطلاق. فقد كانت حالتهُ النفسيةُ متوترةً جدًا، بسببِ افتقاره إلى التحدُث باللغةِ الألمانية للقيام بكلِ متطلبات الحصول على مُحامٍ أو الاستفادة من مكاتب النصح والإرشاد.
الشخصُ أيهم، البالغُ منَ العمرِ 35 عامًا، هو لاجئٌ من الحسكةِ، شمال شرق سورية. يقول: "لم نَكُ نُعاني أنا وشريكتي من أيّ مشاكل، منذُ استقدامها إلى ألمانيا قبل عام. بل بالعكس، تحسنت علاقتي مع زوجتي كثيرًا بعد مغادرتها سورية برفقة أبنائي عبر تركيا إلى ألمانيا، مما شجعني على دفع مبلغ مالي كبير لضمان عملية تهريبها مع عائلتها".
لكن المُفاجأة التي أصابت أيهم كانت عند وصول زوجته إلى ألمانيا وتقديمها طلب اللجوء، حيث صرحت للسلطات الألمانية بأنها عزباء وليست متزوجة، وأقنعته بأن ذلك سيكون لمصلحتهما في المستقبل. وأضاف أيهم: "إلى أن جاء اليوم الذي فوجِئتُ فيه بعناصر من الشرطة يطرقون الباب، وأخذوا أولادي وزوجتي إلى وجهةٍ مجهولة. لم أعرف مكانهم إلا بعد ثلاثة أشهر، كِدتُ خلالها أن أفقدَ عقلي من كثرة التفكير في مصير أولادي، فهناك الكثير من النساء اللاجئات ممن أُجبرنَ على الزواج دون قبولهن أو أغرتهن الأموال والحياة بِحُرية كما يتصورنها، لذا يُشَكّل هذا جانبًا آخر من المعاناة النفسية بالنسبة للكثير من اللاجئين الذين صاروا عرضة لكثير من المشاكل وأحوالهم المزرية التي تفاقمت بشكل مرعب.