تمشيط جماعة بيان الألف

23 ديسمبر 2016
+ الخط -
في أحد الأيام من سنة 2005 أقدم بعض اللصوص على سرقة حكومية مخصصة للسيد مدير فرع المخابز بإدلب، وهي من طراز بيجو 504، ومر زمن طويل لم تستطع الأجهزة المختصة بالحفاظ على أمن الوطن وأمانه وممتلكاته العثور عليها.

كتبتُ، وقتها، في صحيفة النور معلقاً على الحادثة فقلت:


اسمحوا لي أن أحدثكم عن أربعة أدباء من محافظة إدلب، أنا منهم، شاركنا في سنة 2000 بالتوقيع على بيان (سلمي للغاية) يطالبُ السلطةَ السياسية في البلاد بإطلاق الحريات العامة والإفراج عن المعتقلين السياسيين وتعميم ظاهرة الانتخابات النزيهة...، وقد عُرف ذلك البيان يومئذ ببيان الألف، نسبة إلى عدد المثقفين الذين وقعوا عليه من مختلف أنحاء سورية الحبيبة.


على إثر ذلك قامت قيامة الشباب المنوطة بهم مهمة الحفاظ على أمن الوطن وأمانه وممتلكاته ولم تقعد. أول مرة والثانية والثالثة، وأول فرع والثاني والثالث، وسين وجيم وصاد وعين،.. ولم يتركوا شخصاً ممن يقولون لنا نحن الأربعة (مرحبا) إلا وأشركوه في السين والجيم حول هذه المسألة البسيطة التي حاولوا إيهام أنفسهم بأنها خطيرة.


وما مضى على هذه المعمعة غيرُ شهور قليلة، حتى فوجئنا بـالـ (شباب) أنفسهم يعيدون الدراسة حولنا من بدايتها، كأن شيئاً لم يكن ـ على حد تعبير نزار قباني ـ وبراءة الأطفال في أعينهم! وحينما استفهمنا عن السبب، قيل لنا: إن الدراسة في المرة الأولى كانت لصالح الفروع التي مركزها إدلب، وأما هذه المرة، الثانية، فتتم بناء على طلب العاصمة! وحقيقة أنني لم أعرف ما هو الفرق بين الدراستين، إن كان ثمة فرق.


ومع الأيام أخذتْ (أي: تمرنتْ) يدُ (الشباب) على إجراء الدراسات علينا، فلا نسمع بين الحين والآخر إلا والدراسات حولنا شغالة، بسبب القصة التخانة نفسها، حتى تحولنا نحن الأربعة إلى مضرب مثل في العداء للوطن! كما حصل في إحدى القاعات العامة حينما كانت تُجرى انتخابات لإحدى النقابات المهنية، فقام أحد الأشخاص وانتقد ظاهرة دعم مرشح، ومحاربة ثان، وتوجيه الأصوات لمرشح ثالث، وحجبها عن الرابع، فانبرى له أحد المسؤولين قائلاً:


- شو بك أستاذ؟ أراك تحكي مثل الذين وقعوا على بيان الألف!


المهم الآن: لو سئل أحد من الـ (شباب) عما إذا كانوا درسوا أضابيرنا قبل خمس سنوات، فإنه يستطيع أن يقول، بشكل عفوي، ودون أن يأثم بيمينه:


- والله إننا لم ندرسهم دراسة، وإنما مشطناهم تمشيطاً!

وأنا أقول لهم الآن، وبصريح العبارة:


- والله لو أنكم توصلتم إلى معرفة سارق سيارةَ مدير فرع المخابز بإدلب وقبضتم عليه وسلمتموه إلى القضاء لكان ذلك أكثر فائدة للوطن من كل ذلك التمشيط!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...